أبواب

استطلاعات.. من هنا وهنا

محمد المرزوقي

أعتقد أنّني بلغت من العمر عتيا لدرجة تجعلني أكفّ عن الاعتقاد أنّني سأدخل «الإنترنت» يومًا ما لأجد رسالةً من الرّئيس الأميركي باراك أوباما قابعةً في بريدي الإلكتروني!

كنت أتمادى في الخيال أحيانًا وأتصوّر أنّنيأ سأعثر على رسالته في الـ«جنك ميل»، بين أكوام الرّسائل التي تصل إلي بشكلٍ شبه يوميّ من أشخاص يعزّونني/يهنّئونني في وفاة قريبٍ لي ينحدر من إحدى قبائل الكونغو مخلفا وراءه ثروة بمليار دولار، أو من أشخاصٍ في إفريقيا يخبرونني بأنّني فزت بمبلغ مليون دولار، وكلّ ما عليّ فعله هو إرسال معلومات حسابي إليهم ليتمكّنوا من البدء في إجراء عمليّات النّصب.

منذ فقدت الأمل في أن يراسلني أوباما أصبحت «الإنترنت» في نظري مجرّد مكانٍ أقرأ فيه الأخبار!

تظهر نتائج استطلاع الرّأي الذي تجريه «الإمارات اليوم»، أنّ 51٪ من القرّاء يعتمدون على «الإنترنت» مصدراً أوّلياً للأخبار، فهل يا ترى فقد جميع هؤلاء القدرة على انتظار رسائل لن تصل من باراك أوباما مثلي؟

في استطلاع «طريف»، أجراه موقع أميركيّ، قال أكثر من 30٪ من المشاركين في الاستطلاع إنّ «الإنترنت» أصبح بالنّسبة إليهم كالهواء والماء والطعام، لا يستطيعون العيش يومًا واحدًا من دونها.

ربّما كان سبب ذلك أن «الإنترنت» أصبحت عالما موازيا للعالم الحقيقي، مهما كان عالما رقميا أو افتراضيا أو عنكبوتيا إلا أنّه استطاع خلال 27 عامًا (وهو عمر الإنترنت) أن يتطوّر وينمو ليصبح شيئا لا يمكن الفكاك منه أو الاستغناء عن خدماته، بل إنّ أيّة محاولة لقطعه قد ينتج عنهإ اضطراب في العالم الحقيقي، كما حدث منذ ثلاثة أعوام عندما انتشرت أنباء بأنّ كابلاً ما في بحرٍ ما قد انقطع لأسبابٍ مجهولة لنا، نحن المساكين الذين لا نعلم ما يدور في الخفاء وفي أعماق البحار، وتسبّب في انقطاع أو تباطؤ خدمات «الإنترنت» (البطيئة أصلاً) للمستخدمين في بعض أجزاء الشّرق الأوسط، تخيّلت حينها أنّ أسماك قرشٍ عملاقة جائعة ابتلعت كابلات «الإنترنت» البحرية كمعكرونة صينيّة (نودلز) لذيذة!

ثمّ اكتشفت أنّ أسماك القرش بريئة ولا علاقة لها بتردّي خدمات «الإنترنت»، وأكثر الذين يكرهونها ـ مثلي ـ ليست لديهم أسباب حقيقيّة لهذا الكره سوى الشّائعات؛ فلا يكلّفون عيونهم عناء النّظر بحياديّة. ونظرة حياديّة إلى أسماك القرش تكشف أنّها مخلوقات بريئة وتستحقّ الاحترام، فأسماك القرش تعمل جاهدة على توفير طعام أطفالها، أكثر ممّا تعمل شركتا الاتّصالات في الدّولة على حل المشكلات التي يواجهها عملاؤهما، كما أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته «الإمارات اليوم» على مدى الأسابيع الماضية.

إذا أمكن اعتبار استطلاع الرّأي ذاك مثل الـ«ثيرمومتر» الذي يقيس معدّل رضا أو عدم رضا العملاء، فإنّ 38٪، وهي نسبة الذين لم تقدّم شركتا الاتّصالات حلولاً لمشكلاتهم، يعدّ علامة على وجود ارتفاعٍ مقلق في حرارة الجسم، يحتاج إلى تدخّل سّريعٍ لتداركه!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر