يا جماعة الخير

من كان مهموماً أو مغموماً فليجلس!

مصطفى عبدالعال

ماذا يقول علماء النفس والاجتماع وأطباء الأمراض النفسية والعصبية والمفكرون والمحللون، في قضية الهمّ والغمّ التي هي من لوازم عصرنا ولا يخلو منها إنسان، الكبير والصغير، العالم والجاهل؟ بحثت (عبر النت) وقرأت نظريات وتحليلات واستنتاجات، من شرقيين وغربيين، ولكني كلما هدأت سرعان ما أشعر بالغم وهو الحزن مما يصيبني من الناس، ومن قصورٍ في متطلباتي، وعجزٍ عن تحقيق طموحاتي، كما أن الهم أيضا لا يفارقني، هم يومي وغدي والمنافسين والحاقدين والحاسدين والمتسلقين على مستوى عملي أو معارفي، وأحمل هم كل ولدٍ من أولادي، حتى ضاق صدري وقلّ صبري، فاكتأبت وإذا بالأمراض تتسلل إلى جسدي فأتنقل بين الأطباء ولا أجد إلا قولهم: عوامل نفسية!

كانت هذه كلمات الرجل الذي كانت تملأ خفة دمه الأجواء مرحا، قبل استسلامه لحالة الاكتئاب هذه، وقال كلماته هذه للذين أتوه زائرين من مسجد الحي الذي تخلف عن الجماعة فيه، والكل يهز رأسه، وكأنه يقول: كلنا مثلك، إلا رجلاً واحداً وقوراً بدأت علامات الشيب تتخلل شعر رأسه ولحيته، وهو معروف بهدوء النفس، ومحل محبة الجميع بل وملاذهم عند الكرب، لما يجدون في مجالسته من أنس النفس، وبساطة الحياة، والبسمة الدائمة، وسعادة الرضا، هذا الرجل قال وأسارير وجهه تفتح القلوب: هل لكم في تجربتي؟ كما الوصفات الطبية العشبية البسيطة التي نأخذها عن ذوي الخبرة من أهلنا خذوا تجربتي، فقد كنت مثلكم واحترت في قلقي وهمي وغمي، ولكني أدركت تماما أني لن أغير سنة الحياة، ولابد أن أتغير أنا، حتى ساق الله إليّ على لسان أصغر أولادي حديثا استوقفه وسألني عن معناه، فقرأت الحديث جملةً جملةً، وتأملت كلام الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم، ففهمت معنى أنني عبد لله الذي لا تخفى عليه خافية، وأن أمري بيده وهو القادر على صلاحه، لكن بشرط صدق التسليم له بعد الأخذ بالأسباب، ثم التوكل عليه، وبين الحديث النبوي كيف بكلمات تخرج من القلب يُذهب الله الهم والحزن، فبدأت في التنفيذ فغير الله حالي من السخط إلى الرضا، ومن القلق إلى سكون النفس، فحزنت على ما ضاع من عمري قبل هذه الوصفة النبوية، وأدركت أني لو لم أوفق إلى هذه الوصفة، لكنت اليوم أشكو كما تشكون، فقال معظم الحاضرين: قل لنا جزاك الله خيرا وفتحوا هواتفهم لتسجيل ما يقول، فقال:

قَالَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ أَحَداً قَط هَم وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ اللهُم إِني عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِي حُكْمُكَ عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُل اسْمٍ هُوَ لَكَ سَميْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمي، إِلا أَذْهَبَ اللهُ هَمهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً». فَقِيل: يَا رَسُولَ الله، أَلاَ نَتَعَلمُهَا، فَقَالَ «بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلمَهَا».

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر