5 دقائق

ميره القاسم

لنتفق معاً أننا ـ منذ البدء ـ ضد التعصب حد التطرف، خصوصاً في ما يتصل بالشأن الديني أو الفكري، ولكننا في الوقت ذاته لن نستطيع التجرد الكامل من موروثاتنا الفكرية والدينية أو ندعي النزاهة المطلقة في أحكامنا على الغير حتى لا ننتهي إلى طريق مغلق، أو كما يقولون نعيش داخل «حارة سد»، وسياسياً أزعم أن معظمنا ليس بريئاً من هوس المؤامرة وقليل منا من هو يتسرع في اتهام الغير بالخيانة، خصوصاً إذا اتصل الموضوع بالشأن السياسي عموماً، فما بالك إذا كان الكلام عن إسرائيل؟!

وليس ما كتبه الزميل فهد عامر الأحمدي، في عموده اليومي بجريدة الرياض السعودية، فقط ـ منذ فترة ـ هو ما اضطرني إلى هذه المقدمة، بل التعليقات التي انتشرت في كثير من المواقع والمنتديات التي تناقلت المقال المعنون بـ«للأسف.. إسرائيل دولة تستحق الاحترام»! الغريب انه لا تمر دقائق معدودة بعد قيام أي موقع بنشر المقال حتى تنهال التعليقات المتهمة في اغلبها الأحمدي بالخيانة والعمالة، ومنهم من أفتى بقطع رأسه إضافة إلى تعليقات قليلة كان أصحابها رحماء واكتفوا بالمطالبة بمنعه من الكتابة، على الرغم من أن الكاتب قدم مقالته بما يشبه التخوف من الاتهامات التي لم ينجُ ـ بطبيعة الحال ـ منها، وهذه كلماته الأولى «هذه هي الحقيقة المؤلمة أيها السادة.. تستطيعون الاختلاف معي كيفما شئتم.. ولكنها الحقيقة التي تثبتها المقارنة والأرقام المحايدة»، وعلى الرغم من هذا، فقد تدافع سيل الاتهام والتخوين من قبل أناس لم يقرأوا حرفاً واحداً عن قيمة احترام المخالفين في الرأي، لكن لأننا أبناء ثقافة الأبيض والأسود فقط، وترسخ في أذهاننا أن من ليس معنا فهو ضدنا، أو بالأحرى عدونا الأبدي! هل أجافي الحقيقة إن قلت إننا لم نتعلم حتى الآن ومنذ مئات السنين كيف نختلف؟! وفي هذا لا أعفي نفسي أو غيري من الكتّاب و المثقفين والسياسيين بصدق إذا ما انتقد أحدهم عملاً أدبياً أو فنياً لنا، لا نستطيع أن نفصل بين نقد العمل أو انتقاد سياساتنا وبين ذواتنا.

وسياسياً أظن أن مقالاً مثل الذي كتبه الزميل فهد الأحمدي لابد أن يصطدم بهذا الهجوم غير المقبول بطبيعة الحال لأنه ببساطة هجوم وليس انتقاداً أو مناقشة أفكار، إذ يكفي أن تهتاج الأنظمة الحاكمة في معظم أرضنا العربية لما يذكره من محاسن الآخر لأنها باختصار نواقص فينا، وإليكم ما قاله الرجل في مقاله «إسرائيل أفضل من كل الدول العربية والإسلامية في ما يتعلق بالديمقراطية والنزاهة السياسية بدليل القوائم السنوية التي تصدرها منظمات العالم المختلفة»، إضافة إلى امتداحه الأمانة المالية في إسرائيل، وتفوّق مؤسساتها السياسية في محاسبة العاملين فيها مستدلاً بشراء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيارته بالتقسيط، ومحاكمة رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت ألاستيلائه على مبلغ 150 ألف دولار تلقاه تبرعاً حين كان رئيساً لبلدية القدس، وغيرهما الكثير من الشواهد، إذن ماذا كان الأحمدي ينتظر بعد كل ما قيل و ما لم يقل؟

وهنا أقول لكي نرتقي بالحوار ـ وهذا من سابع المستحيلات ـ لابد أن تكون لدينا ثقافة الاختلاف وأن نتمتع بالتركيز على أهداف مثل هكذا مقال، يكشف الخلل الذي يعشعش في بعض الأنظمة العربية.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر