5 دقائق

حدوتة مصرية

ميره القاسم

يؤشر مفهوم الحبكة في العمل الأدبي إلى الطريقة التي يتم بها صوغ الأحداث وعرضها وتقديمها في كيفية تحكم شبك بعضها ببعض على نحو معين يجذب القارئ الى العمل، أما مفهوم «الذروة» فهو تلك اللحظة التي تتكثف فيها الأحداث على نحو يدفع بالتوتر إلى مدياته القصوى، وتتأزم الأحداث والشخصيات لتحدث الانعطافة في مجرى العمل وتحصل عملية التنوير، وبينهما يمارس المبدع أساليب إغرائية وإغوائية شتى سواء على صعيد البناء اللغوي أو الفني، لكي تأتي روايته أو قصته مثيرة وتحظى بقبول القارئ.

لكن العقدة في الرواية الرائعة التي تكتبها مصر لم تكن سوى تلك الإرهاصات الهائلة التي ظلت تعتمل في أحشائها، موقدة تحت الرماد ناراً لا حدود لها، وغضباً كان عليه أن ينفجر في لحظة ما.

ظلت مصر تنضج شبابها وأبناءها على نارها الهادئة وتصهرهم في مصهرها الضخم الذي يغلي بالعذابات والأحزان وآلام الفقر وفقدان الكرامة، إلى أن فاض بهم الكيل ولم يعد في الإمكان الصمت أكثر. انفجر البركان وتدافعت الحمم الى ميدان التحرير الذي يمكن القول إنه يشكل ذروة الرواية/ الثورة.

في ميدان التحرير جرى كل شيء بتوتر لا يمكن أن تجترحه كل العقول البشرية لو اجتمعت معاً لتصوغ حدثاً ما أو تكتب رواية. توتر أمسك بتلابيب العقول وأخذ القلوب والعيون التي ظلت شاخصة تتابع ما ينبض هناك في قلب الحبيبة مصر. مصر التي بدا أنها في حالة من عودة الوعي إلى ذاتها وروحها وتاريخها وأهلها وناسها الطيبين.

الناس الطيبون هم السرّ الغافي في هذه الحكاية، صحيح أن الشباب هم الذين أوقدوا الشعلة، لكن الناس الطيبين كانوا جاهزين للذهاب بعيداً بعيداً في إذكائها وتزويدها بالوقود اليومي الذي يوفر لها سبل الحياة.

ميدان التحرير لم يعد مجرد ميدان له ثمانية مداخل تربط المدن والقرى به، بل صار ميداناً له آلاف المخارج والمداخل التي تربط حناجر المصريين بحبال الصوت الواحد، الهادر، العالي إلى حد يبلغ عنان السماء.

ولأن المثل الذي يقول «اشتدي أزمة تنفرجي» صحيح مائة بالمائة، ولأن القاعدة الأزلية التي يثبتها التاريخ مرة بعد أخرى هي حقيقة لا جدال فيها، خرجت مصر بكامل مكوناتها لتعلن «ثورة الغضب» وأخذت في طريقها كل زيف علا وجهها الحبيب. ومع أول حنجرة هتفت «مصر.. مصر.. تحيا مصر»، بدا أن الحياة تدفقت مرة أخرى في عروق مصر.

هذه المرة، لم تكن مصر المحروسة بحاجة إلى أي نوع من المقبلات أو المنكهات أو البهارات وهي تصوغ ثورتها الجميلة، وتقدمها لنا في أجمل رواية يمكن أن يقرأها المرء بشغف يكاد يوقف نبضات القلب، وإن كانت لم تنس في خضم الغضب والحزن على شهدائها أن تهدينا بعض «خفة الدم وروح الدعابة التي اشتهرت بها»، لكي تقول إن مصر تصوغ الثورة على الطريقة المصرية.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر