أبواب

«واخد بال حضرتك»

سالم حميد

كان«عم برعي»، وهو مواطن مصري بسيط في الأربعينات من العمر، يكنس أرضية المقهى بينما أتابع آخر أخبار أحداث مصر في التلفزيون، فسألته «إيه رأيك يا عم برعي في النظام الملكي السابق في مصر والنظام الجمهوري؟». وعلى الرغم من أنه لم يعاصر العهد الملكي أجابني «والله كل اللي بعرفه يا عم سالم أنو لو كانت مصر لسه ملكية ما كانش الزمن الأغبر جابني هنه لأكنس الأرضية دي، واخد بال حضرتك؟».

عندما استولى محمد علي باشا على السلطة في مصر، وابناؤه من بعده، تم تحويل البلاد إلى اقطاعيات مسخرّة لخدمة المصالح الأوروبية، فكانت الشركات البريطانية على وجه التحديد، تحقق أرباحاً خيالية يحصل منها الإقطاعيون على عمولات هائلة وغير مشروعة، بينما الشعب تُرك يعاني هذا الاستنزاف من قبل أسرة أجنبية تحكم البلد من دون وجه حق وتمتص خيراته. والحكومة حينها لم تكن إلا عبارة عن وكيل تجاري للشركات الأجنبية، وتوجه واحد يجهل المفهوم الحقيقي للديمقراطية، ذلك المفهوم الذي عانت أوروبا كثيراً لفهمه على مدى قرون عدة عندما ثارت ضد الكنيسة وطالبت بحريتها من سلطتها القمعية. ولكن في دول العالم الثالث نظام الأحزاب عبارة عن أندية دينية أو اقطاعية أو ليبرالية لأعضاء منقادين نحو مصالحهم أولاً ثم اهوائهم، لم يدرسوا التاريخ الحزبي الأوروبي جيداً، وبقيت الديمقراطية حسب المفهوم العربي عبارة عن ائتلاف قائم ما بين الجيش والسلطة الدينية، فأية ديمقراطية هذه؟!

جاء عسكريون عام 1952 وأطاحوا بالنظام الملكي، وقرروا قص ولزق النموذج الاشتراكي «اللينيني» وتأميم الإنتاج وسط تصفيق الشعوب العربية برمتها من دون أي إدراك لعاقبة تلك العواطف الملتهبة المشاعر، فالنظرية السوفييتية صاحبة حزب مستبد واحد، سجن نفسه وطوقه بالأسوار مع تسخير «النعيق» الإعلامي بشكل يثير السخرية، تم تطبيقه بحرفية في عهد جمال عبدالناصر، ثم دفع المواطن المصري ثمن تلك النفقات الإعلامية الكاذبة وغسل دماغه بنفسه بتصديق تلك الشعارات الساذجة، وانتشرت الكذبة في أرجاء الوطن العربي، معتقدين أن المشاعر المزيفة عبر تمجيد العمال والفلاحين، هي المقومات التي من خلالها يتم تأسيس نظام إداري واقتصادي ناجح، بل كان اقتصاداً متخبطاً هشاً لا يجيد قراءة الواقع ويعيش خيالاً أبسط ما يُقال عنه إنه خيال طفولي! ثم حلّ نظام الأحزاب، موجهاً صفعة ظالمة إلى الثقافة السياسية، ورسالة مشجعة لبقية الأنظمة العربية التى كانت على وشك الاستقلال للتحول إلى النظام الديكتاتوري، وبعد مرور ربع قرن من استنزاف حزب «الاتحاد الاشتراكي» خيرات البلاد، أعاد السادات التعددية الحزبية، ولكنه لم يكن تغييراً عملياً بمعنى الكلمة، إنما ظاهري فقط وحبر على ورق، بمعنى أن من جاء بعده كان يعيد استفتاء نفسه رئيساً في انتخابات عدة.

كان بوسع المصريين أن يبقوا نائمين يعيشون الاستخفاف بعقولهم، لكن الشباب المصري، شباب الـ«فيس بوك» و«تويتر»، أنكر عملياً أخيراً تلك المقولة المجحفة! نعم يا عم برعي، واخد بال حضرتي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر