أبواب

شعوب مخلوعة

زياد العناني

إلى الآن لم يخضع موضوع التشبث بالسلطة والاستحواذ الأبدي عليها للبحث، ولم يحظَ بسؤال معرفي مفصلي، يوضح تضاريس واحتدامات هذا المفهوم، الذي يرى ميشيل فوكو أنه «نمط من الفعل يقوم به البعض تجاه البعض الآخر تحت يافطة القيادة، باعتبار أن السلطة هي قيادة قيادات» إلى أن يتوسع ويقول إن «العيش في المجتمع يعني، في كل الأحوال، العيش بطريقة يصير معها ممكنا تأثير فعل البعض في فعل الآخرين»، ثم يختم «إن مجتمعا دون سلطة لا يمكن أن يكون إلا تجريدا».

وبناء على ضرورة السلطة للمجتمع، ولكي لا يكون المجتمع تجريدياً، بحسب فوكو، لابد أن نتبين مساحة الفرق الشاسع بين السلطة والتسلط الذي يمكن من خلاله، لأي حاكم مهما كانت إنجازاته أو حتى إخفاقاته، أن يعيش ضمنأ افتراض وقح وعنيد، يؤكدأ أنه ضرورة حتمية لا تقبل بمبدأ تداول السلطة.

إن التسلط بما يدخل فيه من أمراض وراثية، ومكونات تعتمد على القسوة وصناعة الحصانة الشخصية، يعني أن لا شيء فوق الأرض أو تحتها يمكن أن يمنع جنون المتسلط من الجرأة على الناس، في حياتهم، وفي مماتهم، وفي أحلامهم أيضا، إلى الحد الذي يعني أن الإنسان من دون زعيمه ليس إنسانا، وقد يكون نكرة أو حشرة، وأن وجود الزعيم فوق الرأس وعلى الأكتاف وفي التلفزيون، وفي الأغاني الوطنية،أ وفي السماء، وفي البيت، وبين الزوجة والأبناءأ قيمة كبرى أو ميزة تفضيلية، تستحق الشكرأ صبحا ومساء، ويجب أن نتعايش مع ثقلهاأ اللعين حتى مقطع النفس.

نعرف أن الفعل الديمقراطي، في عموم الشرق الأوسط، شاهد زور لم يصبح ولن يصبح شرطا عقلانيا، والأرجح أنه سيظل مجرد سيناريو يستعملأ للمفاضلة بين ديكورات المجالس النيابية، وماهية ألوانها وأخشابها وسجادها وممراتها وصالاتها، وليس للمفاضلة بين إنجازاتها، بالمقابل مع إنجازات غيرها في الديمقراطيات الغربية.

منذأ العقد الأخير من القرن الماضي، ونحن نعيش احتمال المقارنة بين الديمقراطية العربية والغربية، ربما لأن هناك من يريد أن يفهمأ كيف لهذه الشعوب أن تحكم على طريقة التحكم الآلي؟ وكيف لشخص واحدأ فقط أنأ يلعب اللعبة كلها فيما البقية على دكة الاحتياط؟ وربما لأن الأمر برمته يبعث على الضحك حتى السقوط على الأرض، من سذاجة ديمقراطية مقيدة بالصمت، قدر لها أن تعني إقصاء الرأي والرأي الآخر، وتخاف من تعزيزأ استمرارية التشريع، ومن دعم الإصلاح السياسي، ومن ممارسة دورها رقيباً على الحكومة، كما تخاف من الإشارة إلى مبدأأ التداول السلمي للسلطة، بعد أن فرغ هذا المفهوم من محتواه، وصار يعني النهاية السيئة لكل من تسوّل له النفس الحديث في هذا الحامل السياسي الملون بالدماء، في غياب العدل وغياب الأجواء الوفاقية.

حتى الآن لا يمكن الجزم بوجود الدولة العربية الحديثة، أو الدولة المؤسسية، وكل ما يمكن أن نراه من مخالب، وقواطع ضاغطة، وممارسات استبدادية، واغتيالات سياسية، وأزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وتزوير انتخابات وصمت أمواتأ لا يعني أن الحاكم المستبد ظالم فقط، بل يعني أننا مجرد شعوب مخلوعة، وتستحق الظلم بامتياز لا أقل ولا أكثر.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر