أبواب

مشاهد ميدانية

علي العامري

خلال الأيام الماضية ظهرت مدرسة جديدة، اسمها «ميدان التحرير»، جعلت العالم يفتح عينيه على روح مصر الجوهرية، بعدما أزالت الثورة الشعبية الغشاوة التي كانت تواري تلك الروح الأخاذة والمبدعة والأصيلة والحقيقية للشعب المصري. تلك الروح تجلت وشعشعت وتألقت بعدما كانت مدفونة طوال أربعة عقود، وليس 30 سنة فقط. كانت طبقات من العتمة تراكمت على روح مصر، لكن الثورة أسقطت العتمات وأزاحت الغشاوة كلها لتخرج تلك الروح صافية وحضارية تتلألأ تحت الشمس وهي تبتسم لغد أجمل يلوح مع كل خفقة قلب وعَلَم. انبثقت تلك الروح لترفرف في الأعالي فوق النيل العظيم وفوق الأهرامات، وفي كل مدن وقرى مصر.

تحررت روح مصر وحررت الشعب والصورة، والضوء الذي كان مطموراً تحت طبقات العتمة.

في ميدان التحرير، شباب وشابات، اساتذة جامعات وأطباء ومهندسون، وطلبة وممرضون ومثقفون ومبدعون وصحافيون، وعمال وموظفون في مختلف المهن، نهضوا صباح يوم السبت الماضي، تحت شعار «يوم تجميل ميدان التحرير»، وبدأوا تنظيف الميدان وتجميله وإزالة بقايا الحجارة وصباغة الأرصفة بالأبيض والأسود. كنسوا الغبار، كما كنسوا العتمة، ومسحوا الرخام، كما مسحوا الدموع، وأنشدوا نشيداً عالياً في حب الوطن.

وبعدما انتصرت ثورة الشعب، بعد 18 يوماً من المظاهرات في كل أرجاء مصر، وبمشاركة كل فئات المجتمع، أعلن الشباب موعد البناء، وكانوا ينظفون الميدان، مثلما كان حلمهم الأول بتنظيف البلد من الفساد والظلم واليأس، لقد أعلنوا انتصار إرادة الشعب وكنسوا اليأس وملحقاته، وهم يشيدون شمساً جديداً تشرق في صباح طليق.

وفي مشهد آخر، كان العَلَم المصري يرفرف بين الجموع وهي تتذكر شهداء الثورة واحداً واحداً، ويعلن الشباب ان الشهداء هم الأبطال الحقيقيون لهذا التغيير. هؤلاء الشهداء الذين ارتفعت أرواحهم في سماء الوطن لتضيء الدرب الى غد مشرق. وكأن صور الشهداء في قلب الميدان بمثابة قناديل تتوهج.

وجاءت التحية العسكرية التي أداها للشهداء اللواء محسن الفنجري، مؤثرة وذات دلالة كبيرة، تعني الكثير، وتقول الكثير عن الروح التي كانت محجوبة ولكنها خرجت من قمقمها مضيئة في كل الأرجاء.

وتوالت المشاهد، عائلات تلتقط الصور لأطفالها وهم يصعدون على دبابات الجيش، وشباب يعانقون الأمل، ويصافحون الفضاء الرحب.

وكان الوعي الحضاري مشهداً يتجلى في كل زاوية وموقف، وقد كشف الشباب عن جوهرة وعيهم في الميادين كلها، وفي لقاءات تلفزيونية، وفي الممارسة اليومية خلال أيام الثورة، وكانت أفكارهم تضيء اللافتات التي انتشرت في كل موقع، وحتى على الوجوه والقمصان وعربات الجيش والجدران والأرض. ولم تنطفئ روح الدعابة في ميدان الاحتجاج، حتى إن أحد المتظاهرين جلس مبتسماً في ركن من الميدان، وقد علق سرج حصان ومتعلقات أخرى، وكتب تحتها على ورقة «غنائم موقعة الجحش».

المشاهد كثيرة في ميدان التحرير، وفي كل الميادين والساحات والشوارع، وكانت كلها من أجل وطن مشرق وغد جميل.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر