كل جمعة
جيل مقطوع من شجرة
ماذا يمكن أن يشاهد العربي على شاشة التلفزيون هذه الأيام سوى ما يصنعه شباب حركة 25 يناير من تغيير، أعمق من قبضات ترتفع في الهواء، وأكبر من هتافات تستحث الحماسة والدموع، وأوسع من ميدان للتحرير، والتحرر من الأكاذيب والخوف والخرافات؟ وهل هناك ما هو جدير بأن نعيشه لحظة بلحظة أكثر من تصفح موقع الحركة على «فيس بوك» ونقرأ ما لم يكن في الحسبان عن جيل لا نعرفه، ولا يشبه ما تكدّس فينا من هوان وتردد؟
التغيير حدث فعلاً في مصر، وبات يمتد إلى العالم العربي، ومن كان في شك وإنكار فليس عليه سوى تصفح المدونات والمواقع الاجتماعية والمنتديات التي أفلتت من حجب الرقابة. ما حدث ويحدث أكثر بكثير مما أراده شباب 25 يناير، وما يبقى أنهم يصنعون مستقبلهم وينتظرون نتائج محددة، وإذا لم تحدث فهي لا تعني أن التغيير لم يعد أمراً واقعاً، ويجب قبوله والتكيّف مع شروطه واشتراطاته، بدلاً من استعارة دور النعامة، أو البحث عن شواهد تؤكد أن الديناصور لم ينقرض، وأنه لايزال حيّاً يُرزق في الحياة العربية.
الشباب الذي صنع التغيير في تونس هو نفسه في مصر، وفي سائر بلاد العرب، وعلى من لايزال يعيش تحت هول الصدمة أو المفاجأة أن يثق بأنّ ما حدث ويحدث هو من صنع شباب مقطوع من شجرة، شباب لم يفعل آباؤه سوى التشكيك في إمكاناته، وفي قدرته على التعبير عن نفسه بوعي ونضوج، من أجل أن تتوقف وراثة العجز والتردد من جيل إلى جيل.
لقد تعدت حدود المفاجأة التي فجرتها حركة الشباب التونسي والمصري الأنظمة العربية وشعوبها، إلى دول عتيدة في دراسة المجتمع العربي - الإسلامي ومراقبته والبحث عن مفاعيل التغيير فيه، فهذه هي الإدارة الأميركية تلوم مخابراتها الأكثر قوة وإمكانات في العالم على عجزها عن توقع حركة ميدان التحرير، فقد كانت الـ«سي آي ايه» بعد إرهاب 11 سبتمبر في انشغال دائم بمحاربة الحركات الجهادية، والبحث عن جذورها في التعليم والجامعات، وكانت تعتقد أن عوامل كثيرة، مثل الفقر واليأس وسوء الأحوال الاقتصادية، تشكل بيئة ملائمة للتطرف الديني فقط، حيثُ تبدو الحلول الأمنية متاحة بسهولة.
لا تفسير أكثر قرباً من ارتباك الولايات المتحدة في التعاطي مع حركتي الشباب في تونس ومصر سوى أنها كانت تظن أن لا مشكلة في العالم العربي سوى التطرف الديني، وكانت على ثقة بأن حلفاءها قادرون على احتواء ذلك في نهاية المطاف، أما أن يتحرك جيل استوعب ثقافة الاتصال المعرفية، نحو تغيير واقعه، بذهنية وأدوات جديدتين فهذا ما لم يكن في التقدير الأميركي.
الجيل الذي تمثله حركة 25 يناير واضح جداً، ومُسالم جداً. ينحاز للحياة بكل قيمها وجمالها. لا يؤمن بالعنف والمتفجرات طريقاً للتغيير. جيل ليس له خلايا ولا تنظيمات تحيك الموت في الظلام، وأقصى ما يريده في التعبير عن ذاته سطور قليلة على موقعي «فيس بوك» أو«تويتر» أو رفع لافتة، تطالب بحقوق مدنية وسياسية وإنسانية، أو الهتاف في مظاهرة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .