كل يوم

صحراء بلا دماء

سامي الريامي

حوادث الدراجات النارية مشكلة مقلقة، والدولة والمجتمع والمواطنون جميعاً يخسرون خسائر فادحة جراء زيادة نسبة هذه الحوادث، والمصيبة الكبرى أن الخسائر هنا لا تتوقف أبداً عند الأمور المالية والمادية، لكنها تتعدى ذلك إلى خسائر في الأرواح، والأرواح التي تخسرها الدولة في هذا النوع من الحوادث تشمل فقط فئة الشباب في الأعمار المهمة التي تشكل المستقبل.

اليوم تنطلق في دبي مبادرة «صحراء بلا دماء» ويرعاها سموّ الشيخ ماجد بن محمد بن راشد، وبمشاركة خمس دوائر محلية، وتهدف هذه المبادرة إلى الحد من حوادث الدراجات النارية الترفيهية، خصوصاً في مواسم الإجازات والأمطار.

وتتضمن المبادرة حملة توعية واسعة للحد من تلك الحوادث التي تنتج من الدراجات النارية الترفيهية سنوياً والتي تتسبب في العديد من الوفيات والإصابات البليغة التي تتحول إلى عاهات دائمة من شباب الدولة.

المبادرة وضعت في اعتبارها هدفاً ربما يكون صعب المنال، وهو الوصول إلى معدل 0٪ من الوفيات في السنة من الحوادث الصحراوية، وتقليل الحوادث والإصابات بنسبة 70٪، وتقليل نسبة المخالفين لمعايير السلامة، وزيادة توعية أولياء الأمور بمخاطر الدراجات النارية، ولكن على الرغم من صعوبة تحقيق الهدف إلا أن المحاولة في هذا الإطار شرف كبير، حتى وإن استطاعت المبادرة خفض الحوادث ولو بنسبة 30٪. وحتى نكون أكثر منطقية، علينا الاعتراف أولاً بأن الدراجات النارية الترفيهية نشاط يصعب إلغاؤه، وفي اعتقادي الشخصي لم تُفلح أساليب المنع ومصادرة الدراجات في خفض الحوادث ونسبة الوفيات والإصابات، وبالتالي فإن المنطق يحتّم علينا تنظيم هذا القطاع بدلاً من إلغائه ومحاربته، وملاحقة الدراجات ومصادرتها.

من الضروري التحكم في النشاط وتنظيمه من خلال الدوائر المحلية المعنية، ولابد من تخصيص أماكن معينة لممارسة هذه الهواية، أو فرض مجموعة اشتراطات خاصة بالسلامة والحماية، ومن ثم تقليص المهمة لملاحقة المخالفين فقط بدلاً من ملاحقة الجميع.

حالياً لا يوجد مثل هذا التنظيم في دبي بأكملها، وبالتالي غياب ذلك أدى إلى زيادة الحوادث، ومن الصعوبة بمكان السيطرة على نسبة الحوادث إن استمر الوضع على ما هو عليه، ومن الغريب حقاً أن تنتشر محال ووكالات بيع الدراجات النارية، وتنتشر أماكن تصليحها وتصنيعها، كما تنتشر أنواع وأشكال منها بأسعار في متناول الجميع في مساحات شاسعة من «السوق الصيني»، وكل ذلك بتراخيص سارية المفعول من جهات رسمية، ثم نترك المسؤولية لولي الأمر ليُقنع ابنه بأن هذه الدراجات خطرة وقد تزهق روحه، وقيادتها أمر يخالفه القانون!

لا أقصد من ذلك أبداً منع بيع وتصليح الدراجات النارية الترفيهية، فكما ذكرت هي هواية جميلة إن كانت محفوفة بإجراءات السلامة والأمان، وكل ما أقصده هو السعي إلى تنظيم هذه الهواية، وتشجيع الناس على ممارساتها وفقاً للقوانين والأنظمة التي تضمن سلامتهم وسلامة أبنائهم.

لا شك في أن مبادرة «صحراء بلا دماء» مبادرة راقية ومهمة، وإطلاقها يشير إلى تضاعف المشكلة، وضرورة العمل المشترك لخفض عدد الوفيات والمصابين، وبالتالي فإننا نأمل أن تثمر المبادرة عن سلسلة قرارات تنظيمية، تؤسس لاستصدار قوانين شاملة ودائمة لتنظيم هواية قيادة الدراجات وجعلها وسيلة ترفيه أكثر أمناً خلال السنوات المقبلة.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر