من المجالس

أم الدنيا

عادل محمد الراشد

مصر تطلّ بوجهها من جديد، تزيل الستائر، تفتح نوافذها للنور، وتشرّع أبوابها للهواء، تقول للدنيا إنها لم تسقط من مقدمة الترتيب سهواً، لكنها أُبعدت عن سلم الترتيب أصلاً، أُدخلت في سجن الحسابات الكونية، وأُشغلت بقوائم الهموم الداخلية، أُريد لها أن تصاب بقِصر النظر، والوقوع أسيرة الشعور بقلة الحيلة، تقضي يومها في ملاغاة «عصافير البطون»، وحساب القسمة والجمع والطرح لتدبير الأمور، في ما يجود به أول الشهر لآخره، فوُضعت في مربع، الطواف فيه كالدوران في زوبعة.

صبرت أرض الكنانة على ما قيل عن إحالتها إلى متحف التاريخ، وتسامحت مع من قال إن عصر مصر الدور والريادة قد قُلبت صفحته، وتركتهم يقلّبون صفحات دفاترهم البيضاء بحثاً عن البديل، حتى نال منهم اليأس، ليعودوا بأنفسهم يشحذون الريادة والقيادة ممن كان قدرها الأخذ بزمامهما رغماً عنهم وعنها. عادت مصر، وهي التي لم تكن في يوم غائبة، وإن كانت مغيبة، وعندما تحركت أوصال مصر، تحركت من حولها الدنيا، وماجت الأرض بأطرافها، وأصبحت حالها الجديدة كحالها دائماً محل اشتغال الجميع، وكأن حال العالم أصبحت مرتبطة بما يجري في ذلك الميدان القابع في قلب عاصمة المحروسة، التي كانت ولم تزل حارسة الأمة، والساهرة على مجدها.

مصر، ليست متحف العالم الذي يستحوذ على ثلثي آثاره فقط، ولا هي قناة السويس التي تمسك بشريان العالم التاجي وحسب، ولا حاضنة النيل ومصبه الأزلي وكفى، تلك حقائق الجغرافيا والتاريخ التي دفعت بمصر إلى قدرها الذي لم يكن لها ولا للآخرين قدرة على توجيهه أو تغييره.

مصر قبل ذلك، هي الإنسان الذي استعصى على كل المؤرخين والباحثين والدارسين سبر أغواره، واستشراف حراكه، وقياس حركة أفعاله، وتوقع ردود أفعاله، فكان هذا الإنسان دائماً في قلب المفاجأة.

adel.m.alrashed@gmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر