أبواب

الإنسان قبل المكان

سالم حميد

زرتُ أخيراً متحف الفن الإسلامي في دولة قطر، بصحبة صديق أميركي عزيز، مختص في مجال المتاحف، وجاء من الولايات المتحدة خصيصاً من أجل زيارة هذا المتحف الفخم الذي تم افتتاحه عام ،2008 وعندما دخلنا على أننا زوار من فئة الـ «في آي بي»، استقبلتنا مديرة العلاقات العامة النيوزيلندية الجنسية بلهجة إنجليزية غريبة علي، وصعبة الفهم، فأصيب صديقي بالدهشة من تخصيص وظيفة مثل هذه، تمثّل واجهة ثقافية للبلد، لشخص أجنبي، ثم تساءل معي على انفراد «ماذا لو كان هذا الزائر المهم لا يجيد الإنجليزية؟!»، أجبته «ليست مديرة العلاقات العامة فقط من جنسية غربية، بل أغلب المديرين التنفيذيين، إن لم يكن جميعهم، في هذا المتحف من الغربيين، وأولهم المدير العام»، فتساءل مجدداً «ولكن هؤلاء غير مسلمين، وهذا متحف إسلامي، فكيف لهم أن يديروا ثقافة غريبة عليهم؟ هل تعانون نقصاً في عدد الكوادر المختصة، سواء كانت محلية أو عربية أو حتى إسلامية قادرة على إدارة هذا المتحف؟!»، وأضاف «لقد توقعت أن يستقبلنا أفراد من أبناء البلد بلباسهم التقليدي مع دلّة القهوة والتمر، وخيمة بدوية وبعير أمام المتحف، تعكس الثقافة العربية التقليدية، وآخر ما كنت أتوقعه أن يستقبلنا أفراد من جنسيات غربية، يديرون متحفاً إسلامياً في بلد إسلامي!»، أجبته «أرجوك لا توجّه انتقاداتك إليّ، فأنا زائر مثلك إلى هذا البلد الشقيق، وهم أدرى بشؤونهم»، ثم عاد وكرر استهجانه عندما انتهينا من جولتنا في أرجاء المتحف بالكامل قائلاً «لقد قمت بعدّ جميع زوار المتحف خلال جولتنا، فوجدت أن عددهم الإجمالي لا يتجاوز الـ30 زائراً، بينما هذا المتحف الكبير قادر على استيعاب نحو 3000 زائر دفعة واحدة! يبدو أن كبار المديرين التنفيذيين الغربيين، أصحاب الرواتب الخيالية، عاجزون عن تفعيل هذا المتحف الجميل».

لست بصدد انتقاد الوضع القائم حالياً في متاحف دولة قطر، فهذا شأن داخلي يخصهم وخارج نطاق اهتمامي، ولكنني أتمنى ألا أرى ما رأيته هناك في المتاحف الجميلة والفخمة التي سيتم افتتاحها مستقبلاً في جزيرة السعديات في أبوظبي، فمتاحف السعديات ستكون في بلادي الإمارات بمثابة جسر للحضارات بين الشرق والغرب، وستسهل على السائح في منطقة الشرق الأوسط وآسيا مشاهدة روائع الفن العالمي، خصوصاً لمن يعجز عن مشاهدتها في أوروبا والولايات المتحدة، ومن باب الحرص على نهضة دولتنا الثقافية أريد أن ألفت المعنيين بدفع عجلة ثقافة إدارة المتاحف محلياً، إلى ضرورة تأهيل المواطن الإماراتي الذي سيعمل مستقبلاً في هذا المجال الجديد عليه نوعاً ما، إذ لا أتمنى أن يستقبلي مدير للعلاقات العامة من جنسية غربية في أحد تلك المتاحف المستقبلية في بلادي، لأنه سيكون أمراً مؤسفاً.

إنني على يقين بأننا نمتلك مئات المواهب التي لا تقل شأناً عن بقية الجنسيات، لكن علينا أن نسقي تلك البراعم لكي تثمر ولا تذبل قبل أوانها، فالاستثمار في الإنسان أولاً وقبل كل شيء، فالإنسان هو عماد الحضارة والتطور.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر