من المجالس

جدار السرية

عادل محمد الراشد

بين فضح الفساد وهتك مصالح المؤسسات أو الدول خيط رفيع قابل للتأويل، ففي جانب يكون كشف الأسرار خدمة جليلة يقدمها المسرِبون إلى الرأي العام، وإسهاماً واجبا في إطلاع الجمهور على ما يجري خلف الجدران وداخل القاعات المغلقة، وما يحاك ضد مصالحهم أو مصالح بلادهم، وفي الجانب الآخر يعتبر كشف الأسرار تعدياً على المصلحة العامة وإضعافاً لدور المؤسسة أو الدولة، وقد بقي هذا التفسير الثاني هو السائد إلا من بعض الاختراقات الإعلامية التي حدثت بين فينة وأخرى، والتي كان نصيب الوطن العربي فيها هو الأقل على مستوى العالم، وبقيت عملية كشف الأسرار مهمة الحكومات أكثر من غيرها، إما لتحقيق أجندات خاصة بها ضد أفراد أو أطراف داخلية أو خارجية أو تصفية حسابات مع «عهد بائد»، وإما إمساكاً بزمام المبادرة، بعد أن يصبح الكلام على كل لسان، وتسبق الشائعات حروف الحقيقة.

ولكن بعد «ويكيليكس» أصبح الموضوع مكان جدل أكبر، تنازلت فيه جدران السرية عن قدر هائل من ارتفاعها، بفعل المد المندفع للتسريبات التي قذفت التلبس بالشعور بالمراقبة في نفوس المراقبين ذاتهم، وزرعت أجهزة التنصت في أرواحهم، وبغض النظر عن كل النظريات الافتراضية حول الجهة التي تقف خلف تسريبات «ويكيليكس»، فإن حال جدار السرية بعدها أصبحت مثل الحال بعد سقوط جدار برلين، وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً لوضع تعريفات جديدة لمصطلح «سري»، بعد أن احتلت الشفافية مواقع جديدة في عالم الحقائق المبهمة والوقائع المشوشة، ومعها سيعاد النظر في تصنيف الأفراد الذين يتطوعون لكشف الأسرار وتسريب المعلومات إلى وسائل الاتصال الجماهيري، وربما يصبحون أبطالاً، ولكنهم في نظر المتضررين من ضوء الحقيقة هم خونة يستحقون العقاب.

adel.m.alrashed@gmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر