أبواب

حكومات تصريف الأموال

زياد العناني

ثمة امتحان مثير يعيشه المواطن العربي مع حكومات تهدد استقراره من خلال رفعها الأسعار أضعافاً مضاعفة، في عملية استهتار راحت تنهش حتى حاجاته الضرورية، وتتطاول على حياته، وشروط استئنافها لمصلحة حفنة من التجار المحظوظين.

إن واقع الكثير من الحكومات العربية الآن يثير التساؤل حول فاعليتها، وضرورة وجودها، في ظل إصرارها على تجاهل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانيها الناس، والتي تتمثل بالبطالة ومحنة الغلاء وتآكل الأجور، إضافة إلى الجوع أو سوء التغذية، ولعنة تحرير الأسواق التي ما عادت تعني سوى التسلط القائم على فعل الجباية الظالمة والسمسرة والفساد لا غير.

إن من يعتقد أن مهمة الحكومات تنحصر بالتفنن في نسخ التشريعات المتعددة والمتنوعة لضرائب، مثل ضريبة الدخل والجمارك والمبيعات ورسوم الجامعات والبلديات والخدمات القنصلية ورسوم المرور وضريبة الأبنية وعوائد المحروقات وأثمان القبور والنفايات والتأمين الصحي، يحتاج إلى رأس آخر لكي يدرك أن الضريبة، بحسب المفهوم الاقتصادي الذي نسمع عنه ولا نراه، هي اقتطاع جزء من عائدات الشخص المنتج، وليست اقتطاع العائد كله، ونسيان المغزى من تقوية علاقات الإنتاج ودعمها، واستعادة مشروعات التنمية المجهضة.

ها هي الشعوب العربية تؤكد، وهي تلهج بالممانعة، أننا في الهم سواء، وتقول لمن لا يريد أن يسمع إنها لم تعد تملك ما يفرح به صناع الخسارة أو النخبة الذين سيجدون أنفسهم في مواجهة الاحتجاج والإضراب والاعتصامات، ومن ثم الثورات التي قادها الجوع منذ البدء إلى الآن.

لا يريد المواطن العربي قفزة كبرى إلى الأمام، أو قفزة صغرى إلى الوراء، مثلما أنه لا يريد أن يحشر في خانة المناوئين والمخربين، وجل ما يريده هو استعادة دولة الرعاية، والخروج من واقع يفرض وجوده، ومن سياق ينهب قوته، ومن أدوات تطويع ماكرة، تخلط ما بين معنى الحكومة ومعنى الوطن.

بغض النظر عن النكات الوطنية التي تتراكم بين معنى الحكومة ومعنى الوطن، لابد من وقف الضحك الحكومي على الرأي العام؛ لأن حفر امتصاص الغضب الشعبي لم تعد تحتمل، وبناء على الإحباط فقط، لابد من الوقوف في وجه التجاهل، وسوء توزيع الثروة التي تنحصر في جهة واحدة قدّر لها أن تقف وراء الاختلالات، كما قدّر لبعض الحكومات أن تكتب شهادة وفاة الإنسان بأقلام «البزنس» الذهبية، والمستغرقة جداً في مدح نظم ما بعد الاستعمار أو النظم التي جعلت بعض العامة يحنّون إلى زمن الاستعمار في ضوء الفشل في التنقيب عن المستقبل والانحدار التام نحو تصريف الأموال، وتسويق الأعمال.

وأخيراً، على الحكومات العربية أن تفهم الفرق بين من يدير دولة، ومن يدير مؤسسة ربحية، وذلك لأن المؤشرات الواضحة والمخفية، وكذلك المسكنات تظهر الضغط وهو يبحث عن مسارب ضعيفة كي ينفجر، كما تظهر أن تاريخ الثورات الشعبية لم يرتبط إلا مع تاريخ الحكومات غير المنصفة.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر