من المجالس

كي لا تُسرق الجائزة

عادل محمد الراشد

نفضت تونس عن نفسها كابوس «عهد بائد»، ولكن ظِلّ هذا العهد لايزال مجاوراً حتى تنقضي «الفترة الانتقالية» التي تلقفت ثمرة تلك الانتفاضة لتحافظ على المؤسسات وتحفظ أمن البلاد ومصالح العباد. والأكيد أن حركة التغيير العفوية التي غيرت الأرض الخضراء من حال بدت وكأنها قدر لا مهرب منه إلى حال تبدو فيها الحرية قبل الخبز عنوان الزمن الآتي؛ قد فرضت واقعاً جديداً لا عودة فيه إلى عهد الاستبداد المطلق، ولكنّ للاستبداد ألواناً يتلون بها حسب المراحل، وأشخاصاً يتشكلون بحسب ما تقتضيه الظروف.

وربما كانت عفوية الاحتجاجات في تونس هي التي حافظت على زخمها المتدفق إلى أن وصل السيل إلى مصبه بعيداً عن مناورات محترفي السياسة وانتهازية التنظيمات ومساومة القوى المستفيدة. فقد كان هناك حساب واحد لا يقبل القسمة على اثنين، ومطلب واحد لا يقبل المساومة، واتجاه واحد لا عودة فيه. لذلك كان الطريق سالكاً على الرغم من حواجز النيران والوصول عبره سريعاً على الرغم من التضحيات. ولكن بعد نهاية هذا الماراثون تبدأ مرحلة توزيع الجوائز، وقد كانت تسمية الجائزة الكبرى من نصيب الشعب التونسي الذي أثبت أنه يحفظ عن ظهر قلب وصية شاعره الفذ أبي القاسم الشابي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر» على الرغم من كل الغبار الذي تم نثره على الذاكرة الوطنية طوال فترة حكم «الاستقلال». والسؤال اليوم عن اليد الأمينة التي ستحفظ هذه الجائزة من دون أن تحبسها في خزانة التاريخ وتتنكر لأبطالها الذين تفوقوا على أنفسهم وعلى بائعي كتابة التاريخ ليعيدوا كتابة التاريخ بخط عربي واضح وعبارات لا تقبل التدليس.

السياسيون متحفزون والقوى متأهبة لدخول مرحلة الشرعية الجديدة بعد أن كانت جزءاً من «الشرعية البائدة» ولكن يبقى درس الشعب التونسي هو الأكثر تحفزاً لكي لا يعود أولئك الانتهازيون ليجرّوا العربة إلى الخلف.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر