5 دقائق

(ولكم في القصاص حياة)

عبدالله الشويخ

هناك أنواع من الشعور يمكن وصفها لمن لم يجربها، يمكنك أن تصف حرارة الجو لرجل يعيش في الأسكيمو، يمكنك أن تصف إحساس من شرب قارورة تباسكو لرجل لم يزر كيرلا قط، يمكنك وصف الشعور بالحزن، بالندم، بالرغبة وبالحب ربما إن كنت خطيباً مفوهاً، ولكن تبقى هناك أنواع من الأحاسيس لا يمكن وصفها إطلاقاً، لا يمكنك أن تصف الشعور بقشعريرة أول حب لمن لم يجربه، لا يمكنك وصف لذة السجود في الظلمات لمن لم يعرفه، ومن أصعب الأمور تخيلاً أن تصف شعور أبوة طفلة لمن لم يعشه.

أبوة الإناث تختلف جوهرياً عن أبوة الذكور، فالذكور يولدون وفي قلبك لهم حيز كبير من المحبة والفخر، إلا أنه يتناقص تدريجياً كلما تقدم بهم العمر، وبدأ ذلك التحول من كونهم «أطفالاً» إلى أن يصبحوا «كائنات» بركبهم المصبوغة بالميكروكروم الأحمر واللصقات التي تملأ أيديهم ووجوههم، بينما في الفتيات يكون الأمر على العكس تماماً، فلا شيء يصف أولئكم الزهرات الرقيقات بألوان زيهن المدرسي الوردي، بطريقة تعلمهن أول أنشودة، بدلالهن الراقي، ألا يكفيك أن العالم كله يراك قبيحاً وفاشلاً، بينما تحتضنك هي بصدق، وترضى بأن تقبلها من دون أن تسمع منها كلمة «يع»؟

الآباء يفهمون هذا جيداً، لذا- حفظ الله أبناءكم وبناتكم- هل يمكن تخيل فداحة شعور تلك الأم وذلك الأب الذي قام ثلاثة تجاوزوا لقب الـ«الذئاب البشرية»، إذ أن أخلاق «الذئاب» أعلى من ذلك بكثير، بتناوب الاعتداء على طفلة في حافلة المدرسة، واحة الأمان للأطفال، وتركوها في حالة هستيرية وتركوا في قلبها، وقلوب من سمعوا بقصتها، جروحاً يعلم الله متى تندمل؟ أنا لا أعرف الضحية ولا أعرف أهلها، ولكني أب أعرف تماماً ما يحس به الأب إن هبت نسمة مؤذية على ابنته، فكيف إذا تعرض لما تعرضت له تلك الأسرة من فجيعة! هل السبب هو شذوذ الفطرة؟ بالطبع لا، فالشاذون أصبحوا يملأون طرقاتنا. هل السبب هو الكبت؟ أيضاً لا، فالبدائل للمنحرفين كثيرة. غياب الوازع؟ لا. الإنترنت؟ قد يلعب دوراً، وهذا ما نبه إليه ضاحي خلفان قبل فترة طويلة، ولكن في تلك الطبقة لا.

السبب الرئيس في تلك الحادثة هو الحكمة القديمة «من أَمِن العقوبة أساء الأدب»، وبكلمات أخرى أن سائق الحافلة المجرم وشريكيه لو أنهم رأوا قاتل «طفل العيد» معلقاً من رقبته على فعلته الشنيعة لراجعوا أنفسهم ألف مرة قبل تكرارها، ولكن بطء الإجراءات يقوي المجرمين، ويشعرهم بالقوة. قبل 20 عاماً حدثت حادثة اعتداء على طفلة مواطنة اهتزت لها الدولة، وبعد صدور حكم الإعدام، أمر المغفور له مؤسس الدولة بالإسراع في التنفيذ، والنتيجة أن تلك المدينة الصغيرة في الساحل الشرقي سجلت العام الماضي أقل نسبة من الجرائم فيها على مستوى الدولة. وللذين سيقولون إن السبب هو ضغط الجمعيات الحقوقية ضد الإعدام، نذكرهم بأن هؤلاء القوم يبحثون عن مصالحهم فقط، والدليل أن صديقهم «بن علي» لم يجد فيهم من يستقبله!

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر