أبواب

عقدة الكرسي

خليل قنديل

تظل علاقة العربي بالمقعد الرئاسي والتزعمي لأي منصب كان، علاقة مركبة ومعقدة، وتظل الانعكاسات التي تخلّفها هذه العلاقة على الرئيس والمرؤوس وجدانياً لها كيمياؤها الخاصة التي يصعب الفكاك منها، فالرئيس لأي مقعد كان، وحتى بعد انتهاء الصلاحية الخاصة بمقعده، يظل يتعامل مع الشخص المرؤوس، الذي كان يتبعه، بنوع من الغطرسة المسبقة، والتسيد الذي يكاد يكون أبدياً.

ونحن هنا لا نتحدث عن المقعد الرئاسي الذي يخص قيادة الدول في الوطن العربي.

نحن هنا نتحدث عن مخترة في قرية نائية، أو عن رئاسة بلدية في قرية هامشية ونائية، أو عن رئاسة جمعية مهنية، أو نقابة، فالمقعد التسيّدي هنا له فعله السحري عند الشخص الذي ما إن يجلس على المقعد، حتى تبدأ أوداجه بالانتفاخ، وتزداد أكتافه عرضاً، ويصبح صوته أجش، وتصبح مصافحته قاسية، وتكاد يده أن تبتلع أي يد تصافحها.

ومن ميزات هذا الشخص أنه وحينما يحدثك في أي شيء، يبدو وكأنه يشرف عليك ويرعاك، ذلك أنه يرفض أن يكون لك شريكاً في أي موضوع، بل هو فوق كل هذه الترهات الرفاقية، إنه الجهة التي ترعاك وهو الجهة التي يصعب عليها، ولو في أي لحظة، التخلي عن الترؤس حتى في أبسط الأحاديث ترفض أن تتخلى عن منصبها، بل تظل في تلك المنطقة التي تسعى دائماً إلى وضعك في حالة التبعية، حتى ولو كان الحوار معها عابراً.

إن هذه التركيبة المعقدة بين الرئيس والمرؤوس في أبسط المواقع الاجتماعية، التي لا تحتمل كل هذا التورم في التزعم، استطاعت أن تخلق إرباكاً حضارياً، سرعان ما يتحول إلى شكل من أشكال العبودية السرية.

تلك العبودية التي تمنع أن تكون العلاقة بين الرئيس والمرؤوس علاقة إنسانية وسوية. وهي العلاقة التي استطاعت أن تربك التواصل المؤسسي بين الأفراد ، وتغرق أنظمتنا في البيروقراطية المقيتة، التي تعرقل إبداعاتنا الحياتية والمهنية ومازالت.

وأنا مازلت أحترم ذاك المسؤول الذي دخلت إلى مكتبه كي أجري معه حواراً صحافياً، حينما نهض عن مقعده الحكومي، وقال لي «أتعرف أن مشكلة كل من يجلس على هذا المقعد، أنه لا يعرف أن هذا المقعد هو مقعد يشابه مقعد الحلاق، وأنه في النهاية، يقذف خارج المؤسسة أو الدائرة، كي يأتي من يجلس عليه، والغريب أن معظم من يجلسون على مثل هذا المقعد، لا يدركون أنه مثل (كرسي الحلاق) الذي يظل يجدد كل من يجلس عليه».

khaleilq@yahoo.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر