كل جمعة
مصانع الشر..
كنت أظن أن إسرائيل، وهي المصنع الأكبر للشر في العالم، مسؤولة مباشرة عن جريمة كنيسة القديسين في الإسكندرية، وعن جرائم تحمل البصمة ذاتها في العراق، ذلك أن عصابة يقودها مجرم نازي بحجم بنيامين نتنياهو، لا تتورع عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، لاسيما أنها مجربة بما هو أكثر بشاعة، في استخدامها الأسلحة المحظورة دولياً ضد أطفال المدارس في غزة، ذات عدوان همجي قريب.
لكن يبدو أن ثمة أكثر من مصنع للشرّ في عالمنا العربي - الإسلامي، لكنها جميعاً تصبّ في مصلحة إسرائيل، وتقدم لها خدمات مجانية، بنيةٍ سيئة وجاهلة، بعدما قرر العقل التكفيري الذي أنتج «القاعدة» و«طالبان» وكثيراً من هذه المترادفات الشريرة أن يُمعن في الخروج على المجتمعات بأسوأ الوسائل، وأكثرها تشوهاً وخطورة، فتوجه بمتفجراته إلى بيئات فقيرة يُخيّم فيها اليأس والإحباط والتعصب، وأعلن أنه سيكون هذه المرة أكثر تنويعاً في القتل والتخريب، وأن الإسكندرية مكان ملائم لإشعال حرب طائفية، يتجنّد فيها الجهل بكامل عدته وعتاده، ويخوض حرباً بالوكالة عن التكفيريين وإسرائيل وكل ذي مصلحة في إنتاج شعوب مشغولة بالهباء.
الذين ارتكبوا مجزرة الإسكندرية خرجوا من وطننا العربي - الإسلامي، ودرسوا في مدارسنا، وتلقنوا من مناهجنا العقيمة التي تكتظ برفض الآخر، وتعتبر الحوار معه غير مجدٍ، وهم أنفسهم عاشوا في مجتمعاتنا التي تعشعش فيها الخرافة وأخواتها. تلك الخرافة التي تحظر على العقل السؤال والجدل، ولا تنتج سوى شعوب مدجنة، يسهل على الشر تجنيدها في معركة لا تفضي إلا إلى الموت، بل ولا تسعى إلا إليه غايةً قصوى.
القتلة الذين أرسلوا سيارة ملغومة ليلة رأس السنة إلى كنيسة القديسين هم ذاتهم الذين أرسلوا كل انتحاري معتوه يحمل في جسده موتاً مفخخاً إلى المجمعات السكنية في السعودية، وإلى شوارع العراق، بأرصفتها وكنائسها ومساجدها، وناسها الذاهبين إلى الحياة، وإلى حفلات الزفاف في الأردن، وإلى أسواق المغرب ومصر، ولهم في كل مكان يدٌ سوداء في قتل الأبرياء من المسلمين والمسيحيين، وقد احتكروا ترجمة نسخة خاصة من الإسلام، وتأكد لهم أنها الترجمة الصحيحة، بلغة وحيدة، مفرداتها محصورة في الدماء والأشلاء والأجساد المتطايرة.
هل تختلف هذه اللغة كثيراً عن اللغة الإسرائيلية التي يتحدث بها بطلاقة شديدة نتنياهو وباراك وليبرمان؟ أم أنها إحدى صورها الحية؟ لغة يتحدث بها عقل جنائزي، بها أراد معاقبة أميركا والغرب بقتل المسيحيين العرب، وأراد دق إزميل في أرض رخوة، لتتعمق جراح مصر، بانقسام طائفي، يرتفع صوته على كل صوت.
هذه صناعة الشر، ومصانعها معروفة، ولا يفيد حُسن النوايا أبداً في لجمها، مثلما لا يفيد اللوم عند وقوع الكارثة، وعلى مَنْ يصنع الأذى، من دون أن يدري ويتحدث عن الاعتدال في غفلة عما يُزرع في العتمة الشديدة أن ينتبه إلى الأسباب الثقافية التي تغذي نزعات التطرف في المجتمع، وأن يقف جيداً على الأفكار التي تتحرك في المدارس والجامعات، ويرى ماذا يبثّ الإعلام، وماذا تنشرُ الصحافة، وإلا فنحن نلقي بأنفسنا إلى هلاك أكيد.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .