5 دقائق

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم تعد لفتات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تُذكَر بالكَم، فقد ضاق بها العد، فغدت كثرتها تنسي تَعدادها، ولكن كيُفها هو الذي ينبغي الوقوف عنده، ليعرف المرء مواهب هذا الإنسان الذي أعجز إخوانه من الناس في تعداد فضائله وتتبع مزاياه. وليس على الله بمستغرب أن يجمعَ العالم في واحد، فقد وجه سموه أن تصرف تكاليف التهاني بمناسبة توليه مقاليد الحكم التي تُحَبر بها الصحف والمجلات، بأحب العبارات، والتي قد تنفق فيها عشرات، بل مئات الآلاف، التهاني التي يجدر بتجدد ذكراها أن يسطر له فيها أسمى التبريكات والتهاني الصادقات، وشكر الله تعالى على هذه النعمة الكبيرة، والمنة الجسيمة، على البشرية عامة، ودبي والإمارات خاصة، وجه أن تصرف هذه النفقات الباهظة إلى الجهات الخيرة التي تنفع المجتمع، وتفيد المحتاجين، فذلك خير لهم في الأجر، وأكثر لسموه في الفضل، فهو يعلم أن محبته لدى أفراد شعبه وغيرهم لا تعبر عنها الكلمات، ولا تقف عند حدودها العبارات، فما الجديد الذي ستضيفه هذه التهاني، أو جيدات الأماني؟ وقد شغفت القلوب بحبه، والعقول بالإعجاب به، والألسن بالدعاء له، فتحقق فيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:

«خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويُصلون عليكم وتصلون عليهم»، أي تدعون لهم ويدعون لكم. لقد أراد سموه ما هو أسمى من التهاني، وهو أن يلفت المحبين إلى أن محبته تعني العناية بمن لهم عناية خاصة عنده، من فقراء ويتامى وأرامل وذوي عاهات، ونحوهم من ضعفاء المجتمع في الداخل والخارج، الذين تكون رحمتهم سبباً لرحمة الله تعالى، والعناية بهم سبباً للطف الله سبحانه، كما صح في الحديث عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «هل تُنصرون وترزقون إلا بضعفائكم»، وفي حديث آخر «ابغوني في الضعفاء، فإنما ترزقون، وتنصرون بضعفائكم»، فهؤلاء هم سبب رحمة الله، وبهم يُستدر فضله وكثير سَيبِه، وبالغ عطائه، فمن لم يرحمهم لم يكن أهلاً لرحمة الله، لأنه سبحانه «لا يرحم من عباده إلا الرحماء»، كما صح في الحديث، ولذلك حث على رحمتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

وقال أهل الأدب:

من يرحم الخلق فالرحمن يرحمه ويرفع الله عنه الضر والباسا

ففي صحيح البخاري جاء متصلاً«لا يرحم الله من لا يرحم الناسا».

هذه اللفتة الحانية من هذا الأب الحاني، والحاكم المثالي، هي التي يحتاج إليها الناس في هذا العالم المتكالب على المصالح المغلب للأنانية، فكثر الضعفاء وازداد البؤساء، فكم من فقير كادح، ويتيم نائح، وثكلى مؤتمة، وأرملة معدمة، فمن لهؤلاء إلا الخيرون الأتقياء الأصفياء، الذين يطمعون في مرضات الله بمحبة عباد الله ورحمة خلق الله. وها هو سموه قد أعطى المثل السائر، والقول الظاهر لأهل الثراء، وغيرهم أن يتوجهوا إلى هذا الصنف من الناس فيتحسسوا حاجاتهم، ويسدوا خلاتهم، ليفوزوا برحمة ربهم ومحبة حاكمهم، فلله دره من أمير، وحاكم قدير، ومفكر بصير، كيف يعطي القدوة بالعطاء، والتوجيه بالإشارة بما تعجز عنه العبارة ! حفظ الله سموه بحفظه التام، ووالى عليه نعماءه في سائر الليالي والأيام، وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة في الدنيا والآخرة.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر