كل يوم

قرار جاء في وقته

سامي الريامي

السرطان مرض غامض، لا اختلاف على ذلك، ولعل من أبرز الأمثلة التي تدل على غموض وصعوبة السيطرة على هذا المرض، ما تعرض له أحد أشهر الأطباء المتخصصين في الأورام السرطانية، الذي كان مشهوداً له بكفاءته واقتداره، وهو أحد أهم أعضاء الفريق المكلف علاج الأورام السرطانية في مستشفى دبي، أصيب فجأة بمرض سرطان الدماغ، الذي قضى على مستقبله وخبرته، وفقدته إدارة المستشفى، وكان بحق خسارة كبيرة!

خطورة مرض السرطان وصعوبته طبياً، لا يمكن أن تكون هي الحجة التي تجعلنا نستسلم له، بل يفترض عكس ذلك، فالمرض كما ذكرت في مقال أمس، بدأ يتزايد بكثرة، وارتفعت أعداد المواطنين المصابين بأنواعه المختلفة إلى أرقام ومستويات عالية، ووصل في الفترة الماضية ليصبح ثالث سبب لوفاة المواطنين في الإمارات بعد أمراض القلب والحوادث، هذا يستدعي العمل على محاصرته ومكافحته، وبذل الجهود بتركيز للحدّ من انتشاره.

وهذا من دون شك ما استدعى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن يقرر في ختام جولته الافتتاحية لمركز ند الحمر الصحي إعداد الدراسات اللازمة من أجل إنشاء مستشفى علاجي للسرطان تابع لهيئة الصحة في دبي، وهو بحق قرار جاء في وقته.

نحتاج فعلياً إلى مستشفى متخصص لمرض السرطان، فالوضع الحالي غير كافٍ لمكافحته، فلا يوجد في الإمارات بأسرها مستشفى متكامل مخصص لذلك، بل هناك قسم جيد نوعاً ما في مستشفى «توام» بمدينة العين، وهناك قسم آخر بسيط جداً في مستشفى دبي، ولا ثالث لهذين القسمين، على الرغم من الأعداد المتزايدة من المصابين من أطفال ورجال ونساء بشكل متصاعد شهرياً وسنوياً!

هناك أكثر من 50 نوعاً من أنواع السرطانات، ما يعني أن المسألة صعبة ومعقدة ومكلفة، لكن هذا لا يعني اليأس والاستسلام، وهنا يأتي دور الدراسات ومركز البحوث الذي يجب أن ينشأ، ويلحق بالمستشفى، فهو الأساس لتحديد طريقة وكيفية المكافحة والعلاج، نحتاج إلى معرفة أكثر السرطانات شيوعاً في الدولة، وتضييق الدائرة عليها، لتكون أقسام المستشفى موائمة ومواكبة للأنواع الأكثر انتشاراً، أما الأنواع النادرة أو الأقل انتشاراً، فلا مانع من تحويلها إلى خارج الدولة، فالكلفة ستكون أقل بكثير من الوضع الحالي مع افتقار الدولة وجود مستشفى متخصص في هذا المرض، إذ تضطر الدولة حالياً لإرسال المصابين كافة لتلقي العلاج في مراكز متخصصة خارج الدولة.

فاتورة علاج المرض عالية جداً، ومع ذلك لم تبخل الدولة طوال السنوات الماضية على مواطنيها، وبادرت بإرسال الحالات إلى الخارج، وهذا يعني أن إنشاء المستشفى داخل الدولة سيكون أمراً مجدياً للغاية، كما أن دور المستشفى يجب ألا ينحصر فقط في علاج الأورام السرطانية، بل يجب أن يكون دوره شاملاً الفحوص الدورية، وبدء عمليات التثقيف بالمرض، ونشر الطرق الفاعلة في مكافحته، والأهم من ذلك إعداد الدراسات المستمرة، ومحاولة فكّ غموض المرض، من خلال التواصل مع المراكز العالمية، ومحاولة تحديد أسبابه ومحاصرتها، ولا مانع من أن يعمل مركز الأبحاث بشكل مركّز مع الجهات الأخرى، فيصدر قرارات إلى الجهات التنفيذية، بمنع سلع معينة، أو تعديل مواصفات أخرى، أو سحب منتجات غذائية مشكوك فيها، من حقّه أن يفعل كل ذلك إن كانت هذه الأمور ستحدّ من انتشار هذا المرض «الخبيث» في المجتمع.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر