أبواب

حتمية التنوير

زياد العناني

أكثر من 100 عام مرت على سؤال التنوير ومفهومه وآفاقه في الوطن العربي، وعلاقته المشتبكة والملتبسة مع الفكرين الديني والسياسي، من غير أن نصل إلى نتيجة تذكر تحدد لنا كيف بقي هذا السؤال معلقاً بكل احتداماته خارج وعينا وواقعنا، وكيف قدر له أن يكون مجرد علامة دالة أو مؤكدة على اننا غير فاعلين ولن نكون سوى تابعين.

أليس عجيباً أن يمضي قرن كامل من غير أن يترك لنا شيئاً من معنى التنوير الذي حصر من قبل مفكرين كثر في ضرورة تحرر العقل واستقلاله واستدراج الحداثة والسعي الجاد في إقامة الدولة المدنية؟

لا أحد يشك في أن معنى التنوير في الوطن العربي قد ظل حبيساً لأسباب تتعلق كلها بوجود الأنظمة العربية ومخاوفها وإصرارها على محو هذا المشروع لمصلحة الدولة الأمنية ووجودها واستبدل به مفهوماً آخر لا يتعلق إلا بنزعة تكريس السلطة، على الرغم من أن التنوير ومنذ بداياته لم يتوقف عند ضرورة استبدال السلطة أو الانقلاب عليها قدر توقفه عند ضرورة تثقيف خياراتها الإنسانية والسياسية.

ثمة دول كثيرة لم تغير النظام فيها مثل اليابان والصين، ولكنها غيرت وبدّلت ما تحت القبعة واستطاعت أن تتجاوز الانحطاط وصولاً إلى الحداثة والتجديد القائم على استلهام فلسفة ديكارت وبلاغتها المعروفة التي رأت ضرورة الأخذ بمجمل الحقائق التي يتوصل إليها الإنسان عن طريق استخدام العقل فقط.

وبناء على ضرورة استخدام العقل لابد من طاقة تنويرية تدحر الظلام الكثيف، وتدين الظروف التي جعلت المفكر العربي رهين المحبسين أو حبيس الحرم الجامعي، أو ضمته إلى لعنة اللجوء السياسي أو الإنساني في دول الغرب، ولابد ايضا من وقف التشجنات التي تدين وتجرم وتحرم أفكاره التنويرية التي لاتزال تسبح في فضاء مغلق لا يفتح حتى للدرس النظري.

عاجلاً أم آجلاً سيكون النظام العربي أمام امتحان عسير يتعلق بمشروعية وجوده مع كل هذه الإخفاقات ومع كل هذا الجهل وكل هذه الأزمات التي تحيط به من الجهات كلها.

وبناء على الإخفاق الذي يطل من كل زاوية سيجد النظام العربي نفسه أمام حقيقة واحدة تؤكد أنه نظام ضد شعب يقابله شعب ضد نظام، وهذه أسوأ حقيقة عرفنا وجهها الدموي من قبل وسنعرفها من بعد، إذا لم يسمح للتنوير بأن يتمدد في ما تكدس فينا من أصوليات متطرفة تستبعد العقل وتصر على تقاليد تساير الخراب وتحارب الدعوات الإصلاحية لمجرد أنها تهتف بالحرية والمساواة وتطالب باحترام الإنسان العربي، غير خائفة من «بعبع» ما يمنع نقده أومساءلته، ومرحبة بطاقة التنوير الفعلي، الذي لا يقوم في بيئة مخدرة ولايرفع أي معمار لا تحكمه العقلانية.

بغض النظر عن وجود نظام معتكف في قديمه أو حضور آخر يمكن أن يتقوى بسؤال التنوير لابد من علاقة تصالحية بين التنوير والأنظمة العربية، كلها خلال القرن المقبل بما أن القرن عندنا يمر من خلفنا ومن أمامنا برمشة عين لا أكثر.

 zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر