5 دقائق

أمة أصابها «الزهايمر»

عبدالله الشويخ

لا أعرف لماذا أصبح هذا المرض فجأة حديث الجميع من أدباء وكتّاب ومسرحيين وسينمائيين؟ وكأن الزكام والسعال الديكي والشلل النصفي والسكري والضغط والبواسير أصبحت منسيات مع ما نُسي من أزمات في العقد الماضي، فالقصة الأكثر مبيعاً في معارض الكتب الأخيرة كانت آخر ما سطره غازي القصيبي وهي «الزهايمر»، والفيلم الذي تملأ «أفيشاته» لوحات دور العرض السينمائية هو «الزهايمر»، حتى الندوات اللغوية الخاصة بالتعريب ليس لها هم سوى الطريقة الصحيحة للفظ اسم المرض، هل بإضافة «أل» التعريف / التعريب لاسم المرض الأجنبي ليصبح «الألزهايمر»، أم بدمجهما بشدة فنقول «اللزهايمر»، أم تركه نكره، والاكتفاء بالألف الأصلية في الاسم الأجنبي؟!

إلا أن أحداً في الطيف الواسع لا يريد أن يعترف بالحقيقة البسيطة التي نراها كل يوم، وهي أن هذه الأمة قد بدأت تصاب بـ«الزهايمر» فعلاً، وبدأ يدخل في مرحلة متقدمة قد يصعب معها العلاج مستقبلاً، إذا لم يقم أحد بإنعاش ذاكرتها المفقودة.

من أعراض هذا المرض أننا نسينا مدناً كاملة، وُلد لنا فيها رجال عظام، ولنا فيها سهول كقطع من الجنة، وتنتج أروع حمضيات وأصفى زيتون.. نسينا «حيفا ويافا».. اللتين مازالت أرضهما الطاهرة تخرج من الخيرات في كل يوم ما يستفيد منه مغتصب لم يكتفِ بسرقة الأشجار، بل بدأ بنهب ثروات البحار المقابلة، وأعلن عن اكتشاف ثروات غاز ونفط كبرى أمام سواحل المدينتين، ونسبها إلى نفسه مرة أخرى، معتمداً على أن صاحب الحق أصابه «الزهايمر».

من أعراض المرض أننا فقدنا حتى ما يعرف بأضعف الإيمان، فقد كان أضعف الإيمان أن نكتب «إسرائيل» هكذا بين علامتي تنصيص، وكأن الكاتب أو المحلل يريد أن يؤكد أن هذه التسمية لفظة دخيلة، وليست أصيلة ويريد للقارئ أن يبقى متنبهاً، إلا أن هذا وضع شاذ لا يمكن أن يُقرأ ضمن سياق الحديث الطبيعي، أما الآن فحتى علامتا التنصيص أصبحتا عبئاً، لا يمكنه أن يُشكل أي فرق على إسرائيل من دون علامتي التنصيص، التي أصبحت أمراً واقعاً، وجارة ينبغي علينا أن نعاملها بما هو حق للجار على جاره المزعج والمصاب بـ«الزهايمر». من أعراض المرض أنك تنكر وجوه من كنت تحب، وها نحن ننسى مئات، بل آلاف المعتقلين في سجون الجارة، وآلافاً غيرهم في سجون لا نعلم عنها شيئاً.. نسينا نصوصنا.. وتراثنا وقصائد «لا تصالح».. أموالنا.. دماء العابرين.. عبارات على غرار أن «النفط ليس أغلى من دمي»!!.. لهم جميعاً

الله.. ولنا «الزهايمر» الذي نستحقه!

من أجمل الأفلام حول هذا المرض الفيلم الأميركي «دفتر المذكرات»، الذي عرض قبل 10 سنوات، والذي يرفـض فيـه البطـل مغـادرة المستشفى الذي كان يعالج فيـه زوجتـه مـن المرض، وهو يقول لأبنائه: أي مكان تكون فيه حبيبتي.. فهو بيتي!

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر