أبواب

في وعي السينما

قيس الزبيدي

يسلط ج. دادلي أندرو في مقدمته المفيدة حول موضوع «نظريات السينما الأساسية-1976»، الضوء على جانب مختلف من العلاقة بين الفيلم والمتفرج على مقولات أربع، تحلل بنية نظرية السينما، ويتعرض فيها إلى«المادة الخام، والمناهج والتقنيات، والأشكال القوالب، والغرض والقيمة»، ويمكن القول إن المقولتين المركزيتين «المناهج والتقنيات، والأشكال والقوالب» هما وجهان متقابلان، الأول منهما عملي والثاني نظري.

في كتابه «وعي السينما» - الصادر عن الفن السابع (مؤسسة السينما دمشق) نهاية 2010- ينطلق الناقد عدنان مدانات في صياغة أغلب مقالاته المتنوعة، من موقف مشابه، بقصد جعلها متاحة وسهلة الاستقبال من قبل القارئ العام غير المتخصص سينمائياً، ولكن المعني ببناء حصيلة معرفية حول فن السينما: «يهمني في كتاباتي أن أثقف القارئ سينمائياً وأترك له المجال لكي يحكم على الأفلام التي يشاهدها بنفسه، وأرى هذه الوظيفة أهم من وظيفة الكتابة عن الأفلام».

لماذا؟ لأنه يجد أن المقالات السينمائية النقدية التي ملأت الصحف العربية خلال العقود الماضية، على الرغم من مستوى بعضها الرفيع، لم تنجح في جعل الثقافة السينمائية ركناً فاعلاً من أركان المشهد الثقافي العربي، خصوصاً أن كتب السينما لم تأخذ موقعها الراسخ بين مطبوعات دور النشر، لأنها لم تشجع النقاد السينمائيين العرب على الاشتغال الجاد على تأليف الكتب الفنية والنظرية الجادة عن السينما، على هذا يلجأ النقاد إلى تجميع مقالاتهم الصحافية وينشرونها في كتب، تعرّف القراء بالأفلام من دون أن تتمكن من تطوير معارفهم النظرية ووعيهم بفن السينما.

يحتوي الكتاب على نحو 46 مقالة، تتناول، بالشرح والتفسير، أهم الموضوعات والقضايا المتعلقة بفن السينما: التاريخ والتجريب وغموض المعنى، ولحظة الإلهام، وسينما النخبة، وأكاذيب السينما، والمقابلات السينمائية، وموجز عن تاريخ المدارس والتيارات السينمائية، والتذوق السينمائي، وحول موقع المخرجين العرب في المشهد السينمائي العالمي يرى الناقد أنه ما أحد منهم ارتقت أفلامه إلى مستوى الإبداع النابع من الموهبة المتفردة، والرؤية الذاتية الأصيلة التي تميز المبدع عن غيره، وتجعل منه علماً بارزاً في مجال الإبداع السينمائي، لا أن يتأثر هو بغيره فقط، ولا يتأثر به الآخرون، فيكون كما كان المتنبي يقول: أنا السابق الهادي إلى ما أقوله!

يجد مدانات في تسمية السينما بالفن السابع، منذ البداية، بأنها من أكثر الفنون تركيبية، لأنها تمزج في أفلامها الآداب والفنون السابقة، وينصهر فيها الشعر والنثر والرسم والموسيقى والمسرح، الذي يبدو، كفن زماني مكاني، وفن تركيبي هو الأقرب إلى السينما، ولا يقتصر الانصهار بين العناصر الأدبية والفنية داخل بنية الفيلم الواحد على السينما الروائية، بل يشمل السينما التسجيلية أيضاً، ويتميز العصر الراهن بالعلاقات المتبادلة بين وسائل التعبير الأدبي والفني المختلفة، ولعل مثل هذا الانصهار هو الذي يعطي المونتاج أهميته التوليفية الخاصة، غير أن الكتاب في مجمله لا يمكن اعتباره يتوجه إلى قارئ عام فقط، لأن مقالاته تنجح في أن تكون سهلة القراءة، إلا أنها تتصدى لقضايا حيوية فكرية وجمالية في السينما، بشكل يجعلها مفيدة أيضاً لعشاق السينما وللنقاد وللمخرجين أيضاً؟

alzubaidi0@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر