كل يوم

طرائف وليست سوقاً مفتوحة!

سامي الريامي

هناك مشكلة حقيقية يعاني منها متعاملون كثر مع البنوك، لم أكن أشك في ذلك، لكن حجم رسائل الشكوى، وتفاصيل المواقف الغريبة التي أرسلها قراء تفاعلوا مع مقال أمس لم يكن عادياً، كما تلقى الزميل أحمد المزاحمي مكالمات كثيرة عبر الخط الساخن، تم توثيقها بالكامل مع أسماء أصحابها وأرقامهم، وذلك كإجراء احترازي، إن كان هناك من يهمه أمر هؤلاء المتعاملين المقهورين من هذه البنوك والمصارف، وطلب منا التواصل معهم، في الوقت نفسه يبذل الزميل باسل رفايعة جهداً إضافياً هذه الأيام في متابعة الشكاوى المتزايدة والغزيرة الواردة إلى زاوية «سكيك»، وكلها متعلقة برسوم البنوك وخدماتها العجيبة!

هؤلاء الشاكون، وغيرهم كثر، لاشك في أنهم أصيبوا بالإحباط بعد أن عرفوا أن لا مجال للشكوى على البنوك إلا في وسائل الإعلام، خصوصاً بعد تصريح المصرف المركزي بأنه لن يتدخل أبداً في موضوع رسوم البنوك. و«لن يتدخل أبداً» هذه لا تحمل سوى معنى واحد هو ضوء أخضر للبنوك لفعل كل ما تراه مناسباً لتعظيم أرباحها السنوية، أما أموال المودعين المأخوذة من دون وجه حق، مهما كان حجمها، فإنها لن تعود إليهم أبداً، وهذا ما يعلمه تمام العلم جميع العاملين في البنوك والمصارف، ولهذا فالقوانين تصدر سريعاً في فرض رسوم جديدة، وتغييرها بين يوم وليلة بشكل تصاعدي، وكل بنك يتفنن ويبدع في استحداث طرق السحب من أموال المودعين نظير خدمات غير معلنة أحياناً، وخدمات أساسية أحياناً أخرى، ونظير لا شيء في أحيان كثيرة، و15 درهماً من هنا و50 من هناك، و500 من هذا الحساب، وغيرها من حساب آخر، وكل ذلك تحت عين وسمع المصرف المركزي!

منطق المصرف المركزي بعدم التدخل لا يحمل أي منطق، وعلى سبيل المثال لا الحصر طبعاً، لأن الحصر في أساليب البنوك لسحب أموال المودعين أمر شبه مستحيل، رفع بنك دبي الإسلامي في الشهور الماضية سعر استخراج شهادة المديونية من 50 درهماً إلى 300 درهم مرة واحدة، ثم أبلغ العملاء بذلك، بوصفه أمراً واقعاً، وهناك بنوك أخرى رفعت السعر نفسه إلى 500 درهم. ما يدفع للسؤال البديهي المبنيّ على رفض المصرف المركزي التدخل في أسعار خدمات البنوك هو: «لو أن متجراً رفع سعر سلعة غذائية (خبز، أرز، بيض) بهذه الطريقة، هل سترفض وزارة الاقتصاد التدخل، وتتحجج بأن سياسة السوق المفتوحة تتيح لمن يريد تحديد السعر الذي يريد، وقتما يُريد، وعلى المتضرر أن يذهب إلى الشرطة والقضاء؟!».

بالتأكيد المسألة بعيدة تماماً عن قانون السوق المفتوحة، فهي أقرب إلى الاستغلال والجشع والتحايل، فهناك تلاعب بالمودعين، وهناك غموض في تحصيل أموال من حساباتهم بشكل شبه مستمر، وثمة رسوم فرضت على خدمات أساسية تقدمها بنوك العالم كافة، فأي سوق حرة تلك التي تجبر متعاملاً على أن يدفع 20 درهماً للبنك نظير إدخال مبلغ في حسابه؟ وأي سوق حرة تلك التي تجبر امرأة على التخلي عن 15 درهماً من حسابها شهرياً لأن عمرها تجاوز الـ60 عاماً؟ فليقرأ المسؤولون في المصرف المركزي تلك القصص التي تنشر عن تبريرات البنوك في اقتطاع المبالغ، وسيجدون أنها أقرب إلى الطرائف والنكت، لا إلى السوق الحرة أو أي قانون مصرفي عالمي!

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر