أبواب

ما وراء الكرة

زياد العناني

منذ بدء الوعي ونحن نعرف أن كرة القدم لعبة رياضية يتنافس فيها فريقان، وتلعب أصلاً بالأرجل، وربما بالرأس، وضمن تفاهم متفق عليه من قبل الفريقين بأن عدد الأهداف هو الذي يحدد من الفائز، وأن على الخاسر مهما كانت صفته أو خبرته أو عراقته الرياضية أن يقبل بالنتيجة وبروح رياضية نظيفة.

هكذا كانت كرة القدم قبل أن تخترق من قبل الساسة وتحمل صوراً ملونة بالرعب والاضطرابات منها ما ينال الآن من المال العام، ومنها ما يسعى إلى تدمير المنشآت، ومنها ما يستهدف النسيج الاجتماعي في مفهوم الوطن وجره إلى مواجهات إقليمية وعنصرية لن يكون الناس جميعاً في منأى عن الاحتراق بنيرانها.

أحداث كثيرة دارت ولاتزال تدور في الوطن العربي تجعلنا نسأل بمرارة عن معنى وجود بعض المتربصين السياسيين فوق المستطيل الأخضر؟ وكيف يقدر لهم استثمار الشغب المقصود وإرسال الرسائل السياسية التي تخدم مصالحم من دون أن يمسهم القانون، باعتبار أن قوانين مكافحة الشغب المعمول بها في هذا المجال لم تغلظ كما يجب، وأن المسألة برمتها مجرد تورية بلا رأس واضح تطل ولا تطال، ويستحيل أن تصل إلى التحقيق مع 30 ألف مشجع، وبالكاد تصل إلى ما قد يُسمى بالتحقيق التأديبي، وربما التوبيخ أو الغرامة المالية.

من هنا تضيع «الطاسة» دائماً، ويصبح الوضع خارج السيطرة. ومن هنا ايضاً يبرز السؤال عن فائدة كرة القدم إذا كان الثمن جر البلاد والعباد إلى شوفينيات جغرافية لا تلمح، وإنما تهتف صراحة بعبارات مسيئة إلى التراب الوطني، وتشير إلى أمراض من خارج الملعب قد تتفاوت خطورتها، ولكنها لا تؤكد أننا نمارس كرة قدم عربية أو وطنية تنبني على الثنائية التي تعني ألا فريق يستطيع أن يلعب وحده، وأن اللعب يحتاج إلى فريقين بملابس رياضية خاصة ليست «خاكية» أو سياسية، وبأنفاس نظيفة لا تزج بأسئلة الهوية بين أبناء الدم الواحد حتى تفرق بينهم.

قبل أن ندخل إلى المستطيل الأخضر نحتاج إلى فرز لنوعية المشجعين يقوم على توعية تربوية رياضية، وهدف يعلن انتماءه إلى الفضاء الإنساني، كما نحتاج إلى عدد كبير من الباحثين الاجتماعيين لرصد الفئات التي تلجأ الى العنف على خلفيات سياسية أو بناء على مكبوتات تتعلق بالمعاناة والحرمان أو بحفنة من الناس يعتقدون أنهم الوطن كله، أو بأصحاب حقوق منقوصة يريدون أن تكتمل، ووضع استراتيجية لمعالجة كل هذه الاختلالات اللاإنسانية، إضافة إلى العمل على وضع وثيقة رياضية أخلاقية جديدة قائمة على جملة من الأعمال الاحترازية التي تحرم وتجرم المشجعين الذين يرفعون شعارات معادية ومستفزة فوق ملابسهم، وكذلك الملثمين لغاية غير معروفة، ووقف الهتافات السطحية المبتذلة التي صارت تصعد العنف الجهوي والإقليمي المتطرف ومحاسبة من يتبناها، ومحاسبة كل من يرى أن كرة القدم مجرد شجرة أنساب تاريخية، وليست مصالحة تامة مع الذات، ومع العالم ايضاً.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر