أبواب

مطفئو الحرائق

زياد العناني

يبدو أن إسرائيل تعودت على إشعال الحرائق في العالم العربي إلى أن نسيت تحصين نفسها، وفاتها أيضاً أن تقرأ نص الكاتب العالمي ماكس فريش «مشعلو الحرائق» لكي ترى بأي يد احترق البيت على من فيه وكيف تجلت نيران المحرقة.

من العجب أن تسارع بعض الدول العربية والإسلامية لمساعدة اسرائيل في اطفاء حرائقها، سواء جاءت هذه المساعدة بحجة التعبير عن الشفقة بحق الأشجار الحرجية، أو ضمن خدعة الاحتكام إلى عقلية الاعتدال في المنطقة، أو بدافع اللجوء إلى النزعة الإنسانية، من غير أن تتذكر جرائم اسرائيل الصارخة، وتنسى أنها أول دولة استعملت قنابل النابالم ضدنا في استراتيجية الأرض المحروقة، قبل أربعة عقود، كما أنها أول دولة استعملت القنابل الفسفورية في الحرب على غزة.

أليست اسرائيل هي صاحبة مصطلح «الضرب بلا رحمة»؟ ثم أين كانت دول الإنقاذ هذه في ذكرى «الرصاص المصبوب» من واقع ما كان يحدث ومن أبعاده على الصعيدين السياسي والأخلاقي حين كان الجسد العربي الفلسطيني في دائرة الفسفور الأبيض يتلوى ويحترق؟

ثمة غابات تحترق في حيفا ولكنها تحظى بجملة من مطفئي الحرائق الذين يؤكدون عبر خراطيمهم الطويلة أن أجساد الأطفال في غزة لم تكن تحترق، وأن ما جرى لم يكن سوى مناورة وهمية أو فيلم رعب، وان النيران ايضا لم تكن سوى جزء من السينوغرافيا التي أعدت لكي تتلاءم مع طبيعة هذا الفيلم الذي يجسد كيف يكون الجحيم أكبر من المحرقة!

بصمت احترقت غزة تماماً من دون أن نشاهد سيارة اسعاف أو اطفائية حمراء، ومن دون قيم تخجل وتغضب لكي تُحترم، والأنكى من هذا وذاك أن العالم كله لم يسارع إلى انقاذها بهذه اللهفة، وانشغل تماماً بقضية استخدام الفسفور الأبيض وشرعية استعماله، متناسياً الحقوق الإنسانية لمدنيين تفحمت أجسادهم بين الصمت واللامبالاة، وذلك لأن الأهم حينها ألا يظهر عجز إسرائيل عن كسر إرادة غزة، فجرى تكييف الأمر بسلسلة من الحصارات الخانقة بعيداً عن قصة الدم المشترك، وبالقرب تماماً من بؤرة السياسة التي يقول تشرشل إنها المهنة الحقيرة التي يمارسها الشرفاء وغير الشرفاء وبلا أدنى نزعة إنسانية كان من المفترض أن تصحو وتأخذ وعيها وتقولأ لكل المضللين كيف تستثمرون كل جهودكم في كيان متهم بالجرائم ضدي؟

نحن الآن في أزمة كبرى ربما لا تتعلق بالذاكرة فقط بقدر ما تتعلق بحقيقة وجودنا في منطقة الضحية غير المتفق عليها، أو الضحية البلهاء التي تفشل في الإعلان عن نفسها، وحين يتم لها ذلك تظهر في مناطق أخرى باردة برودة الجليد وغير مشمولة بالقانون الدولي، على العكس تماماً من اسرائيل التي لم تنسَ كارثة لها ولم تندمج في التواطؤ على نفسها.

يقول العرب القدماء إن آخر العلاج هو الكي، وبناء على هذا القول فقد كان على مطفئي الحريق منا أن يتركوا النار لتكون ضرورة خوف أو ضربة استباقية، لعلها تكبح جماح وحشية اسرائيل وتدرك أن الحق ليس حقها.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر