يا جماعة الخير

زُرْ حبيبك.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

من مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وعبر نسيمها المعبّأ بالنفحات الربانية والأنس القلبي يطيب للزائر أن يشرك أحبابه في ما يعتري الروح من مشاعر فياضة وأحاسيس جياشة، فكل شيء في المدينة المنورة جميل، حرمها، ريحها، أنسها، ليلها، نهارها.

لا كالمدينــــــــة منزلٌ وكفـــــى بـها شرفاً حلولُ محمـــــدٍ بفِناها

أرضٌ مـشى جـبريــل في عـرصـاتهــا واللـه شـَرفَ أرضـها وسمـاها

حتى زوّارها تكسوهم مسحة من النور وراحة النفس، وكيف لا وهي دار الإيمان بشهادته صلى الله عليه وسلم «إِن الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيةُ إِلَى جُحْرِهَا» ما أروعه من تعبير، أي يتمركز الإيمان في المدينة كما تتحصن الحية بجحرها وتحتمي فيه.. ولذلك استحقت أن تُذكر في القرآن مراراً بأسماء عدة، وأن يفرد لها البخاري في صحيحه باباً يُسمى فضائل المدينة أورد فيه حصراً 23 حديثاً، منها الحديث السابق، ومنها دعاؤه «اللهُم اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكةَ مِنَ الْبَرَكَةِ».

ومنها: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ، لاَ يَدْخُلُهَا الطاعُونُ وَلاَ الدجالُ»، ومنها دعاؤه «اللهُم حَببْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبنَا مَكةَ أَوْ أَشَد، اللهُم بَارِكْ لَنَا فِى صَاعِنَا، وَفِى مُدنَا، وَصَححْهَا لَنَا»، فهل يرد الله دعاء حبيبه المصطفى؟

 

ومنها «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ.. لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً (أي أثار فتنة)، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ».

ومنها «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طَيبُهَا» .

ومنها «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَري رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي».

ومنها أن سيدنا عُمَرَ بن الخطاب قَالَ: «اللهُم ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ»، ولما كان صادقاً في حبه ودعائه استجاب الله له وشرفه.

فالمحروم من حُرِمَ حب المدينة، وقد أحبها الرسول إلى الحد الذي رواه البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ (أي أسرعها)، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابةٍ حَركَهَا مِنْ حُبهَا (أي المدينة).

فسلامة الفطرة ونقاؤها تنسجم مع حب المدينة والشوق إليها، أما تجاوز المدينة ولو إلى مكة المكرمة تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد قال ربه {النبِي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ..} [الأحزاب: 6].

وما حُرمة المدينة ولا هذا الفضل كله إلا لأجله وبدعوة منه صلى الله عليه وسلم، فليس من المنطق أن أقصد زيارة المسجد فقط! وإلا فمكة أولى بالصلاة فيها إذا قسنا الألف بالمئة ألف، وهب أن أبي مدفون ببلدة ما، أما كان من حقه وواجبي زيارته في قبره؟ الدين سلوك، والمحبة تدفع إلى التأسي به والاقتداء بأخلاقه، والتنقيب في سنته، ومن سنته زيارة موتى المسلمين، فهل استثني من زيارة الموتى زيارة الأنبياء؟ وهل خزله الله حين دعاه «اللهُم لاَ تَجْعَلْ قَبْرِى وَثَنًا يُعْبَدُ»؟ كلا! فزُرْ حبيبك لو سمحت.

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر