5 دقائق

لحظة فرح منسي

ميره القاسم

قليلاً ما نلمس التواصل المنشود من قبل المجتمع وتحديداً في العيد.. للعيد بهجة خاطفة.. تلتقي بمن تربطك بهم صلة رحم فقط.. أما التواصل الاجتماعي فلم يعد كالسابق ذا مكانة.. وربما حلّ بدلاً عنه رسائل الـ«بلاك بيري» وما شابهها.. وبعد فض لقاء الأهل في أاليوم الأول، تجلس وحيداً أمام شاشة التلفاز، أو الـ«فيس بوك»، أو السينما، والتسكع في المولات، وهكذا أصبح للعيد بهجة «إلكترونية باردة»، على الرغم من حرصنا الشديد جداً على تعليم أولادنا أصول استقبال العيد وسنّته وفرضه.. وربما عرّجنا لتعليمهم صنع الحلوىأ وفرحتها.. ونحن بعيدون كل البعد عن لونها ورائحتها.

للعيد بهجة في استقبال ابتسامة طفل، أو طفلة لُطخت يداها بحناء من ورد.. للعيد بهجة التسامح المفقود بين أزقة قلوب ملئت بانكسارات وهنة..للعيد بهجة ذكريات وطفولة وهدايا غُلفت بألوان قوس قزح، وضفائر تدلت ليعانق الريحان كلبلاب ثنايا الليل، للعيد قوافل ابتهالات بلون زعفران على جباه أمهاتنا.. وصلوات تتصاعد كبخور جداتنا في صباحات العيد.. تسكننا الخطايا، ونتشبث بالطهر، وندعو حتى تغدو أعيننا مثل غمامة أخرجت مطرها ورحلت في ليلة عيد.

ثمة ما يشغلنا عن الآخرين من حولنا.. تتكدس البهجة في خزائن المودة المصطنعة.. ويعلو صوت أم كلثوم معلنا «يا ليلة العيد آنيستينا» في لحظة فرح منسي نتذكر أولئك الذين يقفون على حافة بلدان كنخل نسي ظله على رصيف وذهب في الجفاف، لا شأن له بما يُصنع من احتمالات الرواء.. وله كل الشأن بما توثقه الطبيعة من القيظ في دفاتر زمنية.

للعيد وهج يسكن جدران بيوتنا العتيقة.. تراه في أزرق البراقع حين يلوّن أنفونا محبة.. في دلال القهوة المعطرة بالقرنفل.. في شفاه أحبة لا تعرف الزيف..يسكن العيد فينا عندما نكون نحن.. أترانا حقيقيين؟

نبحث عن عيد له لون الفرح المتشبث بسقف ذاكراتنا.. ذاكراتنا نحن، لا ذاكرة الهواتف النقالة التي تحتفظ برسائل عيد هذا العام للعيد الذي يليه. نريد عيداً أكثر إنسانية..ودفئًا..وبهجة..نريد رصيداً حقيقيًا من الفرح يغمرنا، سهلاً بلا أعباء مادية، ولا رسائل معلبة.. نريده طقسًا ربيعياً دائم النماء مخضراً مغايراً عن بقية الأيام والعطل الطارئة، فالعيد عيد لنا ولأبنائنا، ولممارسة طقوس الفرح، نشاركهم البهجة، ونعلمهم درس محبة حَيي في تواصل حقيقي، فلا نجعلهم عرضة لتواصل مزيف تفرضه علينا التقنية والتكنولوجيا.. نعلمهم دفء الاتصال في تقبيل رأس الكبير.. مصافحة الفقير.. ابتسامة في وجه طفل.. ومسحة حانية على مريض.. حديث رائق مع قريب.. هدية لشخص ما.. يستشعرون من خلالها لذة الدفء، ولون الفرح، وحقيقة العيد.. وليتذوقوا كما تذوقنا عيد الزمن الجميل، فهل يا تُرى يعود أم يبقى حبيس سقف ذاكرتنا؟! نتحسر عليه ونحكيه لأحفادنا كـ«خرّوفة» تنبئهم بأن عيدنا القديم كان أجمل.

هي دعوة لنجدة العيد.. دعونا نتخلص من أنانيتنا لنعيش طقسه بحميمية ودفء، ليبقى في ذاكرة أبنائنا شيء من وهج العيد يُذكر.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها . 

تويتر