إمامنا الحبيب.. تأكد لو سمحت

مصطفى عبدالعال

وقف الإمام على المنبر وطوّف بالناس في فضل الحج وأحكامه وحرك المشاعر بصدقه وختم بقوله: وسيدنا عمر بن الخطاب لم يطف طواف الوداع بعد الحج، ولما سأله بعض الصحابة عن ذلك قال: «إنما الوداع لمفارق ولست بمفارق، ثم قال (عمر)

وَما في الأَرضِ أَشقى مِن مُحـِب وَإِن وَجَدَ الهَوى حُلوَ المَذاقِ

تَراهُ باكِـــياً في كُـــــل وَقـــــتٍ مَخافَــــةَ فُرقَـة أَو لاشتِياقِ

فَيَــــــــــبكي إِن نَــأى شَوقاً إِلَيهِم وَيَــبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ

فَتَسخُنُ عَيـــــــنُهُ عِـــندَ التَنـــائي وَتَسخُنُ عَينُهُ عِندَ التَـلاقي».

لعبت العبارات بمشاعر المصلين وبينهم رجل من العوام يعشق دينه ولغته العربية حتى أنه يحمل في كل جمعة مسجلا صغيرا (usb) ليجمع الأشعار والرقائق في مكتبته الخاصة. خرج صاحبنا معجباً بالقصة متردداً في قبولها، مغرماً بالشعر مستغرباً قول أمير المؤمنين له!وهل كان عمر شاعراً؟ وهل هذا الكلام عن الكعبة أم عن رمز المعشوقة كما كان شعراء الجاهلية يستفتحون قصائدهم بالغزل ويرمزون لمعانٍ في دواخلهم.. المهم أن صاحبنا العامي رجع بيته وفتح حاسوبه وبحث في الموسوعة الشعرية عن الأبيات، فماذا وجد؟

الأبيات الأربعة للشاعر ابن دريد الأزدي (محمد بن الحسن بن دريد الأزدي القحطاني، أبوبكر المولود سنة 223 هجرية والمتوفى سنة 321 هـ)، فغر صاحبنا فاه وقال: أين كان عمر يوم ولد الأزدي؟ فقام وذهب إلى ابن كثير في كتاب «البداية والنهاية» فوجده عند الحديث عن سنة 23 هـ قال: طُعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم، سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين يوماً، وبويع لعثمان يوم الاثنين، لثلاث مضين من المحرم. أي قبل ولادة شاعرنا بفارق 200 سنة.

ذهب صاحبنا العامي إلى الموسوعة الفقهية وكتب فقط عبارة «حكم طواف الوداع» فقرأ: أجمع جمهور الفقهاء على أنه لا يسقط الطواف إلا عن الحائض لما في الصحيحين من أن ابن عباس كان يقول: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت (أي الطواف) إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض. والآمر طبعاً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى المالكية أنه (الطواف) سُنّة مادام فيه رخصة، قال صاحبنا العامي بفطرته: الجمهور يرى أن ترك الطواف عليه كفارة بذبح شاة لأنه واجب، والمالكية يقولون إنه سنة، فالعاقل يأخذ بالأحوط والمضطر يأخذ برأي المالكية، مع عدم التضحية بثواب السنة بقدر المستطاع، فمن منا لا يحتاج إلى شفاعته صلى الله عليه وسلم؟

ذهب صاحبنا إلى الإمام بهدية تشمل أربع اسطوانات مبرمجة (الموسوعة الشعرية والموسوعة الذهبية للحديث والمصحف الرقمي، والرابعة الموسوعة الفقهية) وقال: هذه يا مولانا يستخدمها العوام من أمثالي وتوفر الكثير من البحث، وأنا أهوى البحث في الآيات والأحاديث والأشعار والأحكام الفقهية، فاقبل هديتي لعل الله أن يجعل لي معك في الدعوة إلى الخير نصيباً.

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر