أبواب

العقل بالكف

زياد العناني

لطالما كنا نسمع ونرى المثقف العربي وهو يجابه السلطة المستبدة بإبداعه وحياته، باعتبارها محرقة للحريات جميعها، إلى أن شاءت الظروف وحدث العكس تماماً، وذلك حين خرجت السلطة لتمد يدها الطويلة وتسرق خطاب المثقفين العرب، وتقف على باب الشعب منتقدةً بؤسهم وهم يتلاومون، بعد أن ضيّعوا أخاهم «الحق» وشقيقتهم «الحرية».

ما الذي حدث؟ هل ضاعت الأدوار إلى هذا الحد؟ وبأي حق أو منطق تخرج السلطة بغير لسانها متحذلقة متلاعبة؟ وكيف امتلكت فجأة مدوّنة نقدية تقول إن المثقفين العرب ما انفكوا عن ثقافة السلطة لمصلحة سلطة الثقافة، وإنهم لم يستوعبوا بعد تعريف الثقافة، باعتبارها تعليم الحرية للمضطهدين!

هل نسيت السلطة من مسّه الضّر من الناس؟ وهل نسيت أنها الجهة المقصودة في إنتاج الظلم وتدويره، حين بكت واستبكت وراء المنبر وعلى لسان رجل برع كثيراً في «تقميش» البيان العربي والاستشهاد به، ليقول بصلف مغلف بالنسيان: ليست الأميـة ولا العامية، ولا التلقين ولا الفقر ولا العولمة هي السبب المباشر في اضطراب المشهد العربي، بل الخوف، والخوف فقط، من غير أن يبين مصدر هذا الخوف، لكنه والحق يقال بكى برهة لا بأس بها ايضاً على الحرية التي غابت وضاعت في درب التنوير ومسالك أبواب الأمل والتغيير.

ثمة بوق سلطوي خرج من جنباتنا قبل أيام ليسرق حزن الناس ويسحب البساط من تحت أقدام المثقفين، والأنكى أنه راح يستشهد بالثوار والصعاليك ويستعيد الشنفرى، وامرأ القيس، وطرفة، وعروة بن الورد، ويقول : «تلك هي نماذجكم العظيمة فاتبعوها» ثم يصرخ: «نحن الذين يقتلنا الظمأ «والماء فوق ظهورنا محمول»، رغم أنه يتمتع بحرارة السلطة، الأمر الذي رسم الدهشة على وجوه المستمعين ورفع من نسبة ضغطهم حين كرر شعوره المصطنع بالغربة والاغتراب، وذهب إلى ما ذهب إليه الشاعر محمد الثبيتي حين قال:

«أدر مهجة الصبح

صُبّ لنا وطناً في الكؤوس

يدير الرؤوس».

أما اللافت حقاً فتمثّل بما قام به السلطوي من تحريك متعمد للسان مظفر النواب: «قاومت الاستعمار فشرّدني وطني» والظهور بمظهر الناقم والناقد للتلفيق والبيروقراطية، إضافة إلى اتهامه المواطن بالعجز والفساد وعدم قدرته على استدراج الحرية.

وبناءً على ما قام به السلطوي هنا، وقد يقوم به هناك، لم يبقَ أمام المثقف العربي الذي سرق خطابه في عز الظهر، إلا أن ينتقل من موقع إلى آخر، تاركاً للسلطة التي استولت على نطقه وحساسيته واحتجاجه أن تفكك خوفه وثقافته، معلنةً نهايته وبداية مثقفها الشامل، مشجعةً مهارته وقدرته على احتواء الأفكار لكي تبقى منوطة بها، وبذلك يلعب الدورين معاً، معلناً في الوقت ذاته أن السلطة هي السالب والموجب، وأن صورة المثقف تحت الممحاة، وان السلطة لم تتسلل لكي تحل محلها، بل إنها عادت إلى بيت التنوير لتسهم في تربية الشعوب تربيةً تقطع دابر الفساد وانتشار المحسوبيات والاعتداء على الحريات العامة، كما تقطع دابر المثقفين وتخنق نطقهم الذي أعاق التقدم ورسخ الاستبداد بكل تجلياته وأشكاله.

zeyad_alanani@yahoo.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر