يا جماعة الخير

كن وافداً.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

خرج المواطنون المؤمنون عند ضيق الحال من وطنهم مكة ليدخلوا المدينة المنورة وافدين على مواطنيها الذين فتحوا لهم بيوتهم وخزائن أموالهم، لكن الوافدين عرفوا الفضل لأهله وقدروا كرمهم، ولزموا حدودهم، آخى رسول الله بين الوافد عبدالرحمن بن عوف والمواطن سعد بن الربيع، فقال له سعد: أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالاً، فانظر نصف مالي فخذه، فقال ابن عوف: بارك الله لك في مالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فاشترى وباع فربح كثيرًا.

ما رضي أن يكون عالة متواكلاً، بل أضاف إلى المدينة قيماً فاضلةً بالعفة وعدم التطلعِ إلى نعمة الله على خلقه، وأحدث بخبرته انتعاشاً تجارياً، فحقق الله معه وعده {وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبهُ إِن اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُل شَيْءٍ قَدْراً} فتمسك به المواطنون وأصبح مثلاً يشرّف الوافدين، وذلك تصديق قول الحبيب صلى الله عليه وسلم «وَازهَدْ فِي مَا فِي أيدي الناسِ يُحبوك». الترمذي.

هذا الوافد العفيف أصبح من أثرياء العالم، دخلت المدينة يوماً إحدى قوافله 700 راحلة محملة ملأ غبارها مسالك المدينة، وتجمّع الناس مباركين فقال بن عوف: هي لكم في سبيل الله، وأعتق في يوم واحد 30 عبدًا، وتصدق بنصف ماله على عهد الرسول وعند موته أوصى بـ50 ألف دينار في سبيل الله، و400 دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدراً، حتى وصل إلى الخليفة عثمان نصيب من الوصية فأخذها وقال: «إن مال عبدالرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة».. تُرى لو من البداية عاش في بيت كفيله واعتمد على ماله ألن يسأل نفسه: إلى متى؟ وحين يكبر أولاد كفيله ويكثر عددهم هل المفروض أن يبحث لهم عن أماكن خارج بيته ليترك البيت لأولاد جاره أو حتى أولاد أخيه؟ أم تُرى ابن عوف وقتها سيبكي ويستعطف ويقول «سفهاً» أنا أحق منهم؟

لابد منطقياً من تغيير المواقع، حتى في دكاني حين يشب ولدي فإني أعده لتمثيلي مع الزبائن فهو ابن صاحب المحل، أما الآخرون مهما علت قدراتهم وطالت فتراتهم فهم مساعدون له، وليس مكانهم أبداً قبله، هذا منطقنا جميعاً فأين الإنصاف والتسليم بضرورة دورة الحياة؟ هذه القضية ما تركها ديننا وإنما وضع لها معاييرها، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»؟ نعم انتفاع متبادل وخبرات أضيفت، لكن إن أعطى صاحب البيت لولده أبسط حقوقه فجعل له الأولوية والصدارة وتمثيله في بيته وماله، أيكون هذا هضماً لحقك وجوراً على رزقك ؟ إذا كانت ظروفك في موضع آخر أفضل فعلام الانتظار؟ أما إن كان المتاح لك أنسب فلِمَ الإنكار؟

من حق الوافد أن يقول: هذا كلام موجّه، ومن حق الكاتب أن يقول: فكر فيه منصفاً حتى تنعم بالرضا وترضى بما قسم الله لك فتنجو من كوارث الغم والهم، فتكون أكثر عطاءً، فيبارك الله لك في صحتك ورزقك.. لو سمحت

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر