أبواب

«نوبل» تكشف أوهام المركز والهامش

أحمد السلامي

يبدو اسم عاصمة البيرو مجهولاً في الشرق، ولا نكاد نستحضر البيرو إلا في سياق الحديث عن ماريو فارغاس يوسا، صاحب «نوبل» الجديد، والروائي الذي انتشرت أعماله من قبل أن يفوز ببركات الجائزة الأكثر شهرة على مستوى العالم.

وبحصوله على «نوبل» يقدم ماريو فارغاس دليلاً جديداً يؤكد الطابع الفردي للإبداع، ويزلزل أوهام المركز والهامش. وسبقه إلى تأكيد هذه الحقيقة آخرون، من بينهم ماركيز، شريكه القديم في رصد عذابات أميركا اللاتينية، وكذلك فعل نجيب محفوظ الذي حصد «نوبل» بدأبه وانغماسه في عوالم رواياته، ومن بعده جاء التركي أورهان باموك.

لكننا في الشرق نهفو دائماً إلى حديث المراكز والهوامش الثقافية، ولابد أن لدينا ولعاً جماعياً بتقمّص مشاعر المظلوم حين نستمر في التفكير على هذا النحو. وعادة ما تصير الشماعة مألوفة، وتظل تؤدي وظيفتها في الوعي بسهولة، فتحمل الأخطاء وتخفي الحقيقة التي لا نريد مواجهتها.

بعيداً عن مركزية الغرب المزعومة، لانزال في بعض دول الأطراف نتحجج بهيمنة ما نصفها بالمراكز الثقافية العربية، رغم أن هذه المراكز أصبحت بدورها تتآكل منذ السبعينات وتتجه نحو الإنغلاق على القطرية.

وفي ما مضى من العقود كانت مصر ولبنان والعراق تقطف استحقاق تمركزها ثقافياً بمعزل عن تموقعها الجغرافي. أما حديث المركز والهامش فإنه يتكئ على أوهام ومغالطات عديدة، منها وهم الجغرافيا؛ حيث النظرة الاستاتيكية التي تعتبر هوامش الخريطة بمثابة الأطراف المشلولة في الجسد الحي، وهنا ينتقل الوهم من تبرير عجز الهامش إلى الإيحاء بأصالة العجز فيه والتسليم بديمومته. الأمر ذاته ينطبق على نظرتنا للغرب، حتى ان انبهار البعض بمركزية أوروبا المعاصرة يكاد أن يتجاهل حقائق التاريخ والعوامل التي مهدت للتحولات الراهنة.

ما من شك في أن الجغرافيا بمعناها الشامل تلعب دوراً خطيراً في السياسة والاقتصاد، ويبرز تأثيرها بوضوح على كفتي هذين الحقلين. لكن التفوق الاقتصادي في مجتمع تقليدي لا يصنع سينما ولا يبني مسرحاً، وبالتالي لا يخلق حالة ثقافية. ثم إن مدينة مثل القاهرة لم تكن مركزيتها الثقافية تعتمد على المطابع والمهرجانات الأدبية فحسب. فلديها تاريخ من التراكم الذي صنع جمهوراً للثقافة. ويمكن مشاهدة الحفلات القديمة لأم كلثوم لنعرف معنى أن تكون القاهرة مركزاً ثقافياً ومحطة لصناعة نجوم الفن والادب والصحافة.

وفي القاهرة أيضاً السينما والمسرح والجمهور الذي أصبح الفن ضمن أجندة استهلاكه اليومي. ولابد أن المدينة التي ينتظم فيها الناس في طوابير لشراء تذاكر السينما جديرة بأن تكون مركزاً ثقافياً.

أما الصيغة المتداولة عن المراكز والهوامش فإنها تجسد وهماً كبيراً. وأظن أن هذه الثنائية لم تنجز شيئاً سوى التبرير لما هو غائب أصلاً. فلو أن لدى الهامش صناعة ثقافية قابلة للتسويق لكانت فرضت نفسها، بدليل أن الالتماعات الذكية التي ينجزها أفراد من دول الهامش تصبح معلومة لدى المتلقّي العربي من دون أن تقف خلفها وزارات ثقافة أو مؤسسات إعلامية محلية.

وتبدو ثنائية المركز والهامش غير مبررة أيضاً حين تكون داخل ثقافة واحدة يصب منتجها الابداعي في وعاء لغوي واحد، بمعنى أن اللغة التي نبدع ونتلقى بها كفيلة بجعل القيمة الجمالية وحدها هي المركز.

slamy77@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر