يا جماعة الخير

لا تقل «إنشاء الله».. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

«إنشاء» تختلف عن «إن شاء» كاختلاف السماء عن الأرض والبحر عن الجو، وليس الموضوع تافهاً، لأنه يتعلق بهويتنا ودعامتها لغتنا لغة القرآن، فإن «تفرنجت» معظم مصطلحاتنا فلا أقل من أن نحافظ على ما بقي منها سليماً غير معطوب، لاسيما ما نستخدمه دوماً ولا يحتاج تصحيحه إلا مرة فقط ثم نتداوله صحيحاً وتتناقله الأجيال بصحته.

إنشاء المباني والمخيمات والمصانع يقوم على هندسة إنشائية، الفاعل فيها يسمى المُنْشِئ والمكان يسمى المَنْشأ (نطلب في الصناعات شهادة المَنشأ)، أما المبنى أو الهيئة فتعرف بالمُنشأة. فهل هذا ما نعنيه حين نكتب: «إنشاء الله تعالى»؟ حاشاه سبحانه. انما نقصد مشيئة الله الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، التي نهانا أن نعد بفعل شيء إلا إذا قدمناها فقال سبحانه: {وَلَا تَقُولَن لِشَيْءٍ إِني فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إلا أَن يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُر ربكَ إِذَا نَسِيتَ} الكهف، وهذه ياصاحبي لا يقال لها «إنشاء»، وإنما يقال «إن شاء»، أخت إذا شاء، وابنة عم متى شاء، سليلة عائلات إرادة الله.

الفرق كما رأينا شاسع، فهل في فهمه فائدة؟ نعم، فمن هويتنا استخدامنا لغتنا استخداماً صحيحاً نتذوق به المعاني، ومن هويتنا ذكر الله في معاملاتنا كما شرع، لا كما العرف جرى، ومن عقيدتنا أن نُرجع كل الأمور إلى إرادة الله سبحانه، ونحن من أطلق على أنفسنا نكتة الرجل الذي التقى صديقاً في طريقه إلى السوق، فسأله الصديق: إلى أين؟ فأجابه: سأشتري حماراً، فقال صاحبه: قل إن شاء الله، فأجابه: ولماذا أشترط والفلوس معي والحمير بالسوق، فضحكا ومضى كلٌ إلى سبيله، وفي طريق العودة التقيا، لكن صاحبنا رجع من دون حمارٍ حزيناً، فسأله صاحبه: أين الحمار؟ فأجابه: إن شاء الله ضاعت الفلوس! النكات في تراثنا ليست عبثاً، وإنما في دراستها انتباه إلى إسقاطاتها، فينبغي أن نذكر الله ونقدم مشيئته في كل شيء، لا أن يكون ذلك فقط عند المكاره، فيصبح الكلام عن الرضا والصبر مقروناً بالكوارث، لا طعم له بل هو من علاماتها، أما تقديم المشيئة إيماناً بها فهي كصلاة الاستخارة، القصد منها أن يختار الله لك ثم توقن أن ما أصابك بعدها هو الخير اختاره لك، ولست تستخير لتفرض على ربك ما تريد، ولست تقدم المشيئة لتمضي في ما خططت له من دون توكّل على الله برجاء أن تحميك مشيئته، فهو لا يريد بك إلا الخير {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم منْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهرَكُمْ وَلِيُتِم نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة 6)، {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً للْعِبَادِ} (غافر 31)، دخل على الحسن البصري، وهو مريض وفي مجلسه علماء اللغة، رجلٌ من العوام، وقال: ربنا يُشفيك (بالضم) فانتفض المجلس استياءً لأنها بالضم تعني الهلاك، فابتسم الإمام وقال: اللهم بقلبه لا بلسانه، فقيل: أدب العلماء مع الجاهلين.

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر