أبواب

موت يعلن عن نفس

زياد العناني

ربما كان من المهم أن يتم الاحتفاء بالقصة القصيرة وحضورها في الأدب العربي المعاصر والانتباه إلى حيويتها، من غير أن يتم تكريس ثلاثة أيام متتالية من فعاليات «ملتقى عمان الثاني للقصة القصيرة» لإنكار موتها بناءً على سوء فهم للبنيوية قيل عن موت المؤلف، وقُصد به أن المؤلف يموت والعمل الأدبي يستمر في البقاء.

ثلاثة أيام ونحن نستمع إلى الكثير من الأبحاث التي راحت تخلط بين موت المؤلف وموت النص معتقدة أن الموت يجتاح الاثنين معاً، إضافة إلى كتّاب تركوا القصة وراحوا يكتبون عنها على اعتبار أن موتها يحتاج منهم إلى اعلان مضاد يعيد إليها الحياة من خلال ملاحقة هواة إعلانات الموت التي صارت موضة تحاول أن تأخذ مكانها بشكل ثأري بين الآداب كلها.

لا أحد يعرف ما الفائدة من ندوات تتعمد الإثارة، سواء في قضية موت القصة أو في لجوء بعض النقاد إلى المطالبة بفك الارتباط التقليدي بين القصة والرواية؟ ولماذا يتم هذا الطلب الغريب لكي يفرق بين فنين بعد أن كان هؤلاء النقاد أنفسهم يحثون الجميع على ضرورة تداخل الاجناس، وبعثرة السردي الذي يجمع بينهما؟ ثم من قال إن الرواية قد تسببت في موت القصة؟ ومن يضمن لنا ألا يجتمع هؤلاء مرة أخرى وفي مزاج آخر على موضة صارخة تعلن عن موت الرواية، واغلاق باب السرد بكل ما فيه من تكنيك ومن بعثرة منهجية على أصابعنا.

ثمة رغبة في «الحكي»، ونخال أنها مملّة جداً وبعيدة عن نضج التجربة، تقابلها رغبات أخرى عدة في الكذب النقدي الذي يتعمد إغراق الاجناس الابداعية في اشكاليات، منها ما يجنح نحو ترسيخ القوالب والحوزات، ومنها من يطالب بضرورة الابتعاد عن اللغة الشعرية في القصة بطريقة انكفائية، ومنها من يرى أن الوقت قد حان لتكييف قصة نقية لها مدونة نقدية تخرجها من عائلة السرد إلى عائلة تخصها قبل أن تختنق بين الشعر والرواية، ومنها من يحض على منع التجريب، والغريب أن الكذب النقدي كان ولايزال يخرج من طية أبحاث طالما أكدت في الملتقى الأول أن «النوع الفني يخلق قوانينه»، والآن نراها في معمعة الجدل تدور حول التصنيف والمرجعيات، وتتمترس خلف مقولة يوسف إدريس «القصة القصيرة رصاصة، تصيب الهدف أسرع من أي رواية»، وكأن الأمر يتعلق بالقناصين أو الرماة، وليس في ماهية الابداع وتأثيره في المتلقي.

وبعد، فإننا لا نريد في هذه العجالة أن نفتح معركة نقدية تناهض هذه الآراء لانها أصلاً دون مسوغات حقيقية، وتشبه إلى حد ما جلسات التحقيق الأمني الذي يضر بهواجس القصاصين، وكل ما نريده هو أن نسلط الضوء على مرارة مبعثها التحاسد الأسود الذي يتم بين أهل القص وأهل الرواية على لعنة الحصول على قارئ، أو امتلاك المتلقي، أو الوجود في خانة الأكثر مبيعاً. واللافت أن من يعمل على تضخيم هذه المرارة هم كتّاب صاروا نقاداً فجأة وهم في سن الكهولة، والأنكى من هذا وذاك أنهم يكتبون القصة والرواية معاً، ويقعون في فخ الإثارة وفي المصائد الانشقاقية ذاتها.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر