يا جماعة الخير

لا تكن شاذاً.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

من البشر أنماطٌ جُبِلوا على احترام أنفسهم باحترام الناس، لا فرق عندهم بين عربي وأعجمي، ولا بين فقير وغني، لا يصنّفون البشر، ولا يحكمون مسبقاً على أحد بعرقه أو جنسيته، ولا يرون أحداً بأعين غيرهم ولا يسمعونه إلا بآذانهم، ولو سمعوا سوءاً فإنهم يحتفظون بما سمعوا ويفترضون الخير حتى يتيقنوا من عكسه، يمتثلون بالفطرة لأمره سبحانه {يَا أَيهَا الناسُ إِنا خَلَقْنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِن اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} لا يتحدثون عن أنفسهم وإنما تتحدث عنهم أخلاقهم ثم أعمالهم، هم المبشرون من رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِن مِنْ أَحَبكُمْ إِلي وَأَقْرَبِكُمْ مِني مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا»، إذا دخل عليهم من هو دونهم مكانةً أو سناً أو مالاً وقفوا له، احتراماً لأنفسهم قبل أن يكون احتراماً له، يردّون السلام على كل من سَلّم عليهم، بل ويبادرون الكل بابتساماتهم وتسليماتهم، وإذا طُلب منهم ما يعجزون عن فعله، حاولوا بقدر وسعهم تحقيق ما يقدرون عليه، وبحثوا صادقين عمّن يساعد من توسم فيهم الخير، ولصدقهم يمتن لهم مَن قصدهم ولو لم يحققوا له شيئاً، ويدعو من قلبه صادقاً لهم بالخير.

إذا حضروا لم يُعرفوا لتواضعهم، وإذا غابوا لم يُفتقدوا لتواجدهم، يرون محبة الناس كنزاً لا يُقَدر، يكتسبون كل يوم وفي كل موقع أحباباً ومحبة واحتراماً، إذا داوموا بعملٍ أحبهم رؤساؤهم وتمسكوا بهم، ودامت بالخير وحسن العشرة مودتهم، ولا يُستَغنَى عنهم أبداً حتى بعد بلوغ السن وترك العمل، وإذا تولوا المناصب كانوا رحمة على من عمل معهم، ونجحوا بمنظومة الحب لا بالتهديد ولا بالوعيد، يُفتَدَونَ بالأرواح، امتداداً لمن قيل له: «لو خضت بنا البحر لخضناه معك» صلى الله عليه وسلم.

تلك والله وبكل شفافية أخلاق إماراتنا الحبيبة، ماضيها وحاضرها، مواطنيها ومقيميها، تراثها ورصيد رجالها، ومَثَلُهم الأعلى رب الفطرة والنقاء، من له بكل أصقاع الأرض بصمات، وبكل محنة دولةٍ عطاءات، الوالد العطوف الشيخ زايد طيب الله ثراه، وتربى شعبه على شيمه ومبادئه. تلك سمة كل المواطنين القدامى والأغلبية العظمى من شباب إماراتنا الحبيبة، وما شذ عن ذلك إلا النزر اليسير الذي يُرسِي به الله في الكون قاعدته الأزلية بأنه لا كمال إلا لله سبحانه.

هذه أخلاق المواطن الصالح الذي ضمته بقيمها إماراتنا الحبيبة، إذا أردت أن تكون مواطناً صالحاً، وهذا هو الرمز الأبدي: وطني أنا.. أنا وطني.. علماً بأن كل صفة من الصفات السابقة تقابلها صفة عكسية، لا تجدها في ابن جزيرة العرب الأصيل - إلا ما نَدَر - أرض الرسالات، مهدِ الإسلام، لأن الدين الخاتم رسالته كما حدّدها رسوله:«إِنمَا بُعِثْتُ لأُتَممَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»، فنحن بلد الأخلاق، وأيضاً إلا من شذّ عن القاعدة، فلا تكن شاذاً.. لو سمحت.

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر