كل جمعة
اضربْ زوجتك.. للتأديب فقط
«الضرب يجوز للزوج، وهو حق له إذا كان ضرباً بسيطاً، يهدف إلى التأديب». هكذا أكد محامٍ الأسبوع الماضي، مدافعاً عن موكله المتهم بالاعتداء جسدياً على زوجته في محكمة عربية، وهو تذرّع بأن العرف الاجتماعي يسمح له بذلك، ويعطيه هذا «الحق» المشروط بالتأديب!
ما قاله المحامي ليس ابتداعاً ولا سابقة، فقد كرر ما ذهب إليه محامون كثيرون في قاعات المحاكم في معظم البلاد العربية، وربما يستند إلى أحكام عدة، فاز بها أزواج اكتفوا بضرب زوجاتهم في حدود القانون العربي الذهني، فـ«الحال من بعضها»، وكلها يبعث على الأسى والأسف، وكلها يسهم في مكوثنا الطويل وراء الأمم.
الذهن العربي يضع قانوناً لنفسه أولاً، وليس مستعداً لخوض أي محاولة للتغيير في الثقافات والمفاهيم والموروثات، بل إنه أشبه بخيّاط يفصّل ثوباً لرجل يعرفه جيداً، ويعي حدود مزاجه، فيحرص على رضاه، وإلا ما معنى أن يكون هناك عُرفٌ يُعطي الحق لإنسان بضرب إنسان، مهما فعل، في ظل وجود قانون يكفل لجميع الناس حقوق التقاضي، والحصول على البراءة أو الإدانة،موروثنا الجمعي لا يعترف بالمرأة ندّاً كاملاً للرجل، ويراها أقلّ منه عقلياً وإنسانياً، ولذلك أعطى الذكر الحق بضربها، ومن أجل ذرّ الرماد في العيون، إيهاماً بالمحافظة على إنسانية المرأة، فقد تحدث ذلك المحامي بوجوب تحقّق شرطين، أولهما أن يكون الضرب «بسيطاً»، وثانيهما أن يهدف إلى «التأديب». وإذا ما توافر الشرطان فلا جريمة، ولكن: ارفع يدك أيها الذكر، ومارسْ رجولتك وشجاعتك وحقك المشروط، واضرب زوجتك.
قبل ذلك، فإن معظم الناس في بلاد العرب يعتقدون أن الرجل أحياناً «يفقد أعصابه»، وله كامل العذر إذا صفع زوجته بخفة على خدها، أو دفعها قليلاً في «ساعة شيطان»، ويجب على المرأة أن تقدر ذلك، فتلتمس لزوجها عذراً، فهو بالتأكيد «ضحية انفعال»!
الاعتداء على كرامة المرأة، أو انتهاك إنسانيتها واحترامها لذاتها ليس وارداً في قوانين الذهن العربي، فهو يعتقد أن «الضرب البسيط، بهدف التأديب» لا يؤذي كيان المرأة، لكنه وبكامل التناقض يحجب ذلك الحق عن المرأة في المقابل، ما يجعل التساؤل مشروعاً عن معنى عدم قبول أن تدافع المرأة عن نفسها إذا ضربها زوجها، فتردّ له صفعة «بسيطة، هدفها تأديبه، وكبح جماحه قليلاً»!
مثل هذا الجدل في المحاكم العربية يعبر عن بنية ثقافية تصرّ على منح الرجل هذا الحق الذي لا حقّ فيه ولا عدالة ولا منطق، وكل ذلك في هيئة قانون اجتماعي فضفاض، يخضع لتقدير الرجل وحده، فهو بكامل ذكوريته المؤهل لتقدير معنى «الضرب البسيط»، هل هو صفعة بأطراف الأصابع على خدّ المرأة، أم ركلة بالقدم؟ وعليها ألا تعتبر ذلك إهانة أو إساءة، لأن تأديبها هو الهدف، لئلا تكرر ذنبها في مناقشته أو جداله، أو رفع صوتها على صوته.. مثلاً!
الضرب، مهما بلغت درجاته اعتداء بالغ وغير إنساني على الكرامة والوجود، ولا يجوز أن يكون محمياً بأي اجتهاد قانوني، أو عُرف اجتماعي، ولا «ساعة شيطان» له، إلا إذا كان شيطان الجهل الذي يقيم في العقول.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه