يا جماعة الخير

لا تحتقرنّ سجيناً..لو سمحت

مصطفى عبدالعال

الذين طالتهم عدالة الأرض بالعقاب في الدنيا لهم عند الله خاطر، وإلا تركهم كغيرهم من المتمادين في الظلم والفساد من دون وقوع في يد العدالة، فالذي يريد به ربه خيراً يطهره في الدنيا، فإن صحت توبته يلقاه طاهراً مطهراً ربما سبق العابدين، لأن جبال سيئاته تبدل حسنات، كما أخبر سبحانه {إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدلُ اللهُ سَيئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رحِيماً} الفرقان،70 وضرب سبحانه مثلاً بليلى الغامدية أشهر تائبة في العهد النبوي، اعترفت بالزنا والحمل سفاحاً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبت أن يطهرها بالرجم، فأرجأها إلى أن تضع مولودها، وبعد الوضع رجعت إليه، فأرجأها حتى تفطمه، ففطمته بعد عامين، ثم رجعت ثالثة تطلب التطهير ،فأمر برجمها، وقال: «لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة أو على أهل المدينة كلهم لوسعتهم»، وصلى عليها، وعلى هذا فإن عقاب الدنيا يجبر الخلل ويطهر الإنسان ولو صدق في توبته ونوى الاستقامة أكرمه الله بصدقه وربما خفف عنه، فناله العفو الذي يجود به حكام هذه الإمارات الحبيبة في مواسم الخير على من تورط، ثم أحسن السير والسلوك بتوبته، وليست هذه رسالة إلى الذين وقعوا في قبضة العدالة بقدر ما هي تحذير لكل من غره حلم الله عليه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، ومهما كان سلطانك وعلاقاتك ومناصبك وأموالك، فلا استغناء لك عن رحمة الله وستره وعفوه، وكم من عباقرة في التخطيط وإحكام الإفلات فضحهم الله وسمّع بهم الدنيا بأسرها، ومن لم يعتبر ولم يصدق هذه الآيات، فليقرأ قوله سبحانه {وَالذِينَ كَذبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم منْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}، والغريب أن بعضهم يحكم الإفلات مما جنت يداه وربما ألبسها لغيره، ثم يسخر منه ويفضحه ويتأفف من فعلته، وينسى أنه هو الجاني الحقيقي الذي أمهله ربه، فإما أن يتوب ويرد المظالم إلى أهلها ما يمكن منها، وإلا كان جديراً بأن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، والندم توبة، والله يفرح بتوبة العبد التائب أكثر من فرحة العبد الذي ضلت راحلته في الصحراء وعليها طعامه وشرابه، فوجدها، ثم من شدة فرحه أخطأ، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، كما قال صلى الله عليه وسلم. والله يقول في الحديث القدسي «لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لأقبلوا عليّ، هذا بالمدبرين عني، فكيف بالمقبلين عليّ». أما الذين مكن الله منهم في الدنيا، فهم إلى عفو الله أقرب، وكم بينهم من مساكين ليست عندهم إمكانات عتاة المجرمين، فلا يعتبر وقوعهم علامة غضب الله عليهم بقدر ما قد يكون علامة عفو. ويكفي أن يرد النبي امرأة عرضها عليه أبوها ليتزوجها صلى الله عليه وسلم، بعدما تمادى في إغرائه بفضائلها، حتى قال: وفوق ذلك، فإنها لا تمرض أبداً يارسول الله، هنا ردها، قائلاً: إذن لا خير فيها.

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر