كل جمعة

عرب وأجانب..

باسل رفايعة

يتلقى الأجنبي، سائحاً أو مقيماً أو حتى عابر سبيل، معاملة استثنائية في البلاد العربية، وإذا كان أميركياً أو كندياً أو أوروبياً فهو يحظى بدلال يفوق الوصف والحدود أحياناً، فالقوانين لا تسري عليه غالباً، والثقافات المحلية لا تعنيه، وله دائماً أعذار جاهزة، أبرزها أنه ضيف، وإنْ طال مكوثه، فالعرب مضيافون بالضرورة.

تحدثت، أخيراً، مع أوروبي في الأردن، وقد عمل أكثر من 25 عاماً في غير بلد عربي، حتى بات يعرف لغتنا ويميّز قليلاً بين لهجاتنا المحلية، وقد كان سعيداً بأنه دائماً تلقى تعاملاً خاصاً من السلطات العربية، وكذلك من الشعوب التي تدرك جيداً مكانة الأجنبي لدى سلطاتها، فتتحاشى عتبها وغضبها.

من المغرب إلى المشرق عرف الرجل أن البلاد العربية تحسب ألف حساب للدول القوية، فتعامل شعوبها بما يليق بمنطق القوة والحرص على الإنسان وحقوقه، فالسفارات الأجنبية مفتوحة، وتتلقى الشكاوى باهتمام ومتابعة، وتكون حاضرة مع مواطنها دائماً، ولو تعلق الأمر بمخالفة مرور، إذ إن عبارة «أريد أن أتصل بسفارتي» ذات مفعول سحري، ولا يستطيع أي مسؤول عربي أن يتجاهلها، فمعنى ذلك تدخل سريع من وزارة خارجيته، وربما أزمة دبلوماسية لاحقاً، وهو ما يفوق استطاعة العرب احتماله، فيتجنبونه وفقاً لقواعد الضيافة التي يُصبح لها اعتبار وقيمة عندما يتعلق الأمر بالأجانب.

أكد محدثي أنه يفضل البلاد العربية التي عمل فيها على بلاده، لكن خبرته في السياسات والثقافات جعلته على يقين بأن الأمر يتصل بمكانة بلاده التي فرضت احترامه على العالم، ولاسيما النامي والثالث والمرعوب من التقدم والنفوذ الحضاري، وهو يدرك تماماً أن معظم المسموح له في بلاد العرب ممنوع على مواطنيها، والأمر لا يتطلب معاملة بالمثل، فالعربي يذهب بأمواله سائحاً إلى أميركا وأوروبا، وتلاحقه الريبة المسبقة، ويُعامل بجفاف وفظاظة، ويعتبر مجرد صرّاف آلي متحرك لا أكثر.

رأى محدثي أن المسألة لا تتعلق بضعفنا وقوة الآخرين وحسب، فهي تتصل بانعدام ثقة العرب بأنفسهم، وبحاجتهم الأساسية إلى مراجعة أبجديات حقوق الإنسان وحرياته وكرامته البشرية، كما تتصل بإحساس العربي الدائم بأن الهزيمة في بعدها الحضاري قدر محتوم يعيشه، وهذا ما يجعل الدول العربية تتردد باستمرار في تقديم اعتبارات المواطنة بشرعيتها وقوانينها على أي اعتبار، لأن ذلك أمر مكلف لا يستطيع النظام السياسي العربي دفع استحقاقاته، وأولها حقوق دستورية وديمقراطية وحريات عامة، لا تقبل الانتهاك، يكفلها قضاء نزيه، وإعلام مستقل.

أختم بحكاية رجل عربي يحمل الجنسية الكندية منذ 15 عاماً، وقد عاد إلى بلاده مدفوعاً بالحنين إلى عائلته وذويه، ولأنه لم يكن في حياته معارضاً سياسياً لنظام بلاده، ولا يتعدى نشاطه بضع مقالات نقدية نشرها متفرقة على مدونته الإلكترونية، فقد احتفظ بجواز سفره الأصلي الذي كان نقمة عليه عند وصوله إلى مطار بلده، فقد كان بانتظاره اعتقال بتهمة «نشر آراء تضرّ بنفسية الأمة»، وتحقيق وتوقيف وإهانة لم يجد مخرجاً منها سوى إشهار جواز سفره الكندي، والمطالبة بحضور ممثل عن السفارة الكندية.

بقية الحكاية معروفة لديكم، فقد كان بعد دقائق خارج الاعتقال، متنسماً هواء بلاده العليل، ويا له من هواء!

 baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر