أبواب

قتل بطيء

زياد العناني

ثمة قتل بطيء غير مشمول بمظلة «الجريمة والعقاب» يتم بحق المهمّشين تحفزه الدول من خلال ربط مصيرهم بوعود كاذبة تجعلهم يقضون العمر كله وهم يقفون على أبواب شبكات مكونة اجتماعياً بانتظار معونة أو دواء أو مسكن، وفي نهاية المطاف يجد المرء منهم نفسه في الفراغ مباشرة بلا عمل وبلا تأمين صحي، وتجد الحكومات نفسها بلا مسؤولية، رغم أنها تتخذ من تحصيل الضرائب حجة قوية لتعزيز الخدمة الاجتماعية في ما يؤكد الواقع أن الضرائب سرقة مقنعة وتتم يومياً.

نعرف أن معظم الضرائب في العالم العربي تعد أموالاً سائبة ونعرف أن مسألة توزيع الثروة قد باتت من المبكيات المضحكات، ولكن ألا يحق للكائن العربي أن يشعر بالأمن والأمان إن مالت عليه الدنيا من دون أن يقتله الخوف أو القلق ويحس أنه بلا وطن يهنأ به.

لا يحق لأي مسؤول عربي مهما بلغت رتبته أن يقبض راتبه ويتمتع بالامتيازات الكثيرة التي تعد نوعاً من أنواع الاعتداء على الوطن في ظل وجود مواطن واحد تحت خط الحياة أو خارجها أو وجود منكوب بشخصيته القانونية، وذلك لأن التقاريرأثبتت ولاتزال تثبت أن الخلل يكمن في سوء توزيع الثروة وليس في الفقر الذي تعيشه الدول.

قد يكون في فكرة محاسبة المسؤول بعض المبالغة، ولكن ألا يحق للإنسان أن يحاكم كل إدارة حاطة بكرامته؟ ثم ألا يتوجب على الحكومات أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً بدلاً من حرمان المواطنين من حمايتها وتجريدهم من حقوقهم بحجة التقليل من شأن الموارد أو عجز الموازنات، وذلك لان العجز الموجود في الدول الفقيرة موجود ايضاً في الدول الغنية، غير أن الفرق بين العجزين يكمن في إدارة الثروة وتوزيعها وخلق الفرص اللائقة بكرامة الإنسان في حالات البطالة والمرض والعجز والشيخوخة، وإلا فما المعنى الذي يمكن أن يشار إليه في الخرائط حين نقول هذا وطن وهذه مزرعة أو محمية خاصة لم تستوفِ بعد شرطها المتساوق مع صفة الوطن؟

ثمة هدر للموارد البشرية، وفي المقابل توجد بؤر اجتماعية مغيبة عن تكافؤ الفرص وتفتقد لأهم حاجات الإنسان الأساسية، وليس لها سوى أن تنتظر من غير أن تحظى بشيء سوى بعض الوصفات الاعلامية التي تعد بالعيش الكريم، وحين يتسع حجم التفاوت تقطع الوعود بدعم لذوي الدخل المحدود، متناسية أن هذه البؤر لا دخل لها وبالدخل أصلاً.

مرة أخرى ثمة قتل تمارسه الدول الراعية في العالم العربي من خلال مرارة توزيع الثروة التي تنال من مواطنين كثر وتقع في جوانبهم الروحية والنفسية والمعنوية، ولهذا لابد من قوانين لوقف كارثة الفساد التي جعلت من أحد المتنفذين يقول إن «التوزيع غير العادل للثروة هو أفضل من التوزيع العادل للبؤس»، رغم أن هذه العبارة الماكرة تحمل في طياتها أزمة سياسية تؤكد أنه يفضل أن يبقى الحال كما هو عليه، لأن الأصل في القاعدة المقلوبة كلها أن البؤس جهة يعتمد عليها في حكم الشعوب العربية، بمعنى أنه قد يكون بمثابة الحل وليس المشكلة.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر