يا جماعة الخير

هل صَح صومُك.. لو سمحت؟

مصطفى عبدالعال

قال المصلّي لإمام المسجد: قبل أن أسألك أقول لنفسي وللمقصرين من أمثالي لا تسيئوا إلى روعة هذا الدين بسلوك مرفوض بُعَيْدَ الصوم ينسب إلى عمّار المساجد ومعتادي عبادات الحج والعمرة والصيام. أنا حين يصلّي إلى جواري من يبدو في غاية الالتزام في مظهر العبادات من لحية وثوب قصير وسواكٍ، أشعر بفخر المسلم وبالحب الفطري لهذه الصورة الملائكية، وأتمنى أن يتعلم الناس من هذا الملاك حتى يكثر سواد المسلمين، لكن سرعان ما يصيبني الإحباط لو أن واحداً.. واحداً فقط من الذين رفعوا شارات التديّن ضرب الدين في مقتل بسلوك لا يتفق مع شاراته المرفوعة! حين يطفر منه أولاده وزوجته لأنه طاغوت في بيته بدعوى الالتزام، وكأنه أكثر التزاماً من رسول الله نفسه، أو حين يصدم فيه بائع أو مشترٍ في تنطع ليس من سماحة هذا الدين، أو عندما يخون أمانة في عرض أمر، أو بتحريف كلام! الناس حينذاك يتناسون عشرات المئات من النماذج الملتزمة الصادقة ويقيسون الكل بتصرف صاحب الشارات اللافتة، هذا المستنفر للنقد أينما وجد، المتحفز لكل البشر وكأنه الوكيل الحصري المعتمد من الله ورسوله قيّماً على كل خلق الله، وسؤالي يا شيخنا: مَر العيد كما مرّ رمضان فلماذا صمنا ولماذا عيّدنا؟ أجاب الشيخ مندهشاً: ما هذا السؤال الساذج؟ منذ وعينا على الدنيا ونحن نصوم، وتأتي اليوم لتسأل: لماذا صمنا؟ لم ينتظر الرجل وأردف: الرد الديني الذي نحاول أن يحفظه الناس هو أن نصل بالصوم إلى التقوى، والرد من منظور اجتماعي: إنه طقوس تقليدية عبر قرون، لكن يا شيخنا إذا أردت رداً واقعياً؟ فالجواب: هذا ما وجدنا عليه آباءنا! قال الشيخ مستغرباً: ما الذي تريد قوله يا رجل؟ أجئت سائلاً أم ساخراً؟ قال أنا أحبك يا شيخي، وحاشا أن أسخر منك أو أنقصك قدرك، فأنت علّمتنا الكثير، ولكني في الحقيقة أريدك أن تقتحم الفاصل الفولاذي بين الناس ونتائج الصيام التي طالما كررتها لعل غافلاً ينتبه. قل لمن صاموا: أنتم يا سادتي سفراء الإسلام فأروا الناس من سلوككم ما يشرّف الإسلام والمسلمين، أليس الصوم المقبول جزاؤه الجنة يا شيخنا؟ قال: نعم طبعاً! قال: ألم يقل رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنةَ حَتى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتى تَحَابوا. أَوَلاَ أَدُلكُمْ عَلَى شيَءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السلاَمَ بَيْنَكُمْ». تحاببتم، لا تباغضتم، لا تخاصمتم! أفشوا السلام لا أديموا التنافر وقطيعة الأرحام! أفشوا السلام يا عمار المساجد بين الجيران، الزملاء، الأنساب، بين أبناء أم واحدة، أو أب واحد، أو أم وأب معاً! الصوم الذي تركناه من أسبوع فقط يذيب العواطف المتجمدة، يرقق الأرواح الثقيلة، يكسب النفس صفاءً وبهاءً، قال الشيخ: صدقت وليت الناس يفهمون! تجمّع كثير من المصلين وتدخّل أحدهم بسطحية وكأن الشيخ في مأزق ويحتاج إلى من يدافع عنه، فقال له الشيخ مازحاً: أبا محمد.. ابدأ بنفسك.. لو سمحت.

المستشار التربوي لبرنامج وطني

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر