أبواب

«إدارة التوحّش»

زياد العناني

لفت الدكتور جمال الشلبي نظري إلى خطورة كتاب «إدارة التوحش»، فرحت أبحث عن مبعث هذه الخطورة، رغم أن الشلبي حاول أن يحددها مسبقاً باهتمام الإدارة الأميركية بالكتاب، إلى الحد الذي حرصت فيه على ترجمته ودراسته لمعرفة تنظيم القاعدة من خلال الأفكار التي طرحت في فصوله وأبحاثه المتعددة.

غير أن هذا الاهتمام الأميركي ظل سطحياً ولم يأخذ مداه المفترض، في ظل حصر الكتاب ضمن الأدبيات الإسلامية عنوة، وعدم الرجوع إلى تاريخ الحركات المتطرفة والدموية التي انبثقت عبرالتاريخ الإسلامي، إضافة إلى عدم البحث عن جذور عداوتها للمسلمين الذين عانوا من وسائلها في الاغتيال المنظم قبل غيرهم.

يؤخذ على العقل الأميركي دائماً أنه لا يحتفي بالتاريخ بسبب تعلقه بالمستقبل المفتوح، فلا عجب أن يعجز هذا العقل في التفريق بين الإسلام عقيدة وثقافة وحضارة وبين فرق الحشاشين التي استغلت الإسلام كما استغلت تراث الاستشهاد فيه، وكان لها اليد الكبرى في استحداث إدارة التوحش عبر تسميات كثيرة، ولكنها في البداية وفي النهاية قامت ـ ولاتزال تقوم ـ على «استغلال الفوضى في مناطق التوتر والاضطرابات لتكوين خلايا مدربة يمكن أن تقوم بعمليات نوعية تستنزف القوى الكبرى».

كما يؤخذ أيضاً على بعض الباحثين العرب الانسياق التام وراء الكذب الأميركي في طرح نسخته عن العلاقة بين الارهاب والإسلام وعدم الرجوع إلى مرجعيات «القاعدة» الخفية التي راحت تتخذ من الإسلام وسيلة لتحقيق أهدافها، إضافة إلى الاستيلاء على عقول التابعين بالحمية مرة باسم العراق ومرة باسم فلسطين في الوقت الذي لم يسجل للقاعدة أنها قتلت جندياً واحداً من جنود الاحتلال في فلسطين، كما يسجل لها انها قتلت ـ ولاتزال تقتل ـ العديد من العراقيين بحجة الخلاص من أعوان الاحتلال، وترك الاحتلال بألف خير.

كل كتاب «إدارة التوحش» مجرد أصداء قديمة لفرق الحشاشين بما فيه من مصطلحات مثل «التمكين» و«بث العيون» و«شوكة النكاية» أو حتى إنهاك العدو بضربات وبعمليات مصغرة، ومن يبحث سيجد أن هذه المصطلحات موجودة ولكنها تقع ضمن دائرة مسميات أخرى مثل الاستمالة والتدريب على الطاعة العمياء والقتل خلسةً، وليس بخافٍ أن القاعدة قد استندت في تنظيمها على تقليد هذه الفرق، ولو كان هناك من يريد أن يرى ويفكر في الادارة الأميركية لما ربطت القاعدة بالاسلام والمسلمين وانما بفرق الحشاشين، ولكن الادارة الأميركية سواء كانت جديدة أو قديمة تجد أن مصالحها تكمن في هذا الربط لتطويع العالم العربي وابتزازه وسلب خيراته وقراره السياسي ايضاً وتذكيره دائماً بتدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وكأنه المسؤول عنها وليس أسامة بن لادن الذي صنعته وموّلته في حقبة الحرب الباردة.

وأخيراً، لابد من القول إن العالم يعيش كارثتين: الأولى تكمن في وجود أميركا على رأسه، أما الثانية فتكمن في وجود القاعدة، وما تحدثه من فوضى دينية وسياسية واجتماعية لفرض رؤيتها الخاصة، واضعاف العالم العربي والإسلامي، والسيطرة عليه وضمان البيعة لأسامة بن لادن خليفةً للمسلمين.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر