كل جمعة
حجب المدونات
يومياً، تحجب السلطات في العالم العربي مدونات إلكترونية لمواطنيها، وغيرهم، والأمر في غاية السهولة، أو لعله بات كذلك، في ظل غياب القانون، أو تجاهله، فهذا النوع من قمع الحريات والأفكار يمارسه غالباً متصفحون لشبكة الإنترنت يتواطأون مع السلطات في الإبلاغ عن المدونات المغايرة للمألوف والسائد، من أجل حجبها، ويحدث ذلك سريعاً، لأن الأمر في يد شركات الاتصالات العربية، وليس ضمن نطاق صلاحيات الدوائر العدلية والقضائية، ومهامها المباشرة.
ثمة أسباب أمنية وراء الحجب أحياناً، لكنّ قمع غالبية المدونات في العالم العربي كان لأسباب لها علاقة بحرية الرأي والتعبير، والإرهاب الفكري الذي يمارسه متصفحون للشبكة، يستغلون القابلية الدائمة لدى الحكومات في احتكار الصواب، فيجندون أنفسهم مجاناً لمنع ما يعتقدون أنه يمسّ الأوطان والأديان والقيم والموروثات الاجتماعية. يستطيع أي متصفح في العالم العربي أن يتصل بقسم خدمة العملاء لدى أية شركة اتصال، ويؤكد لها أن المدونة الفلانية تنطوي على إساءة للحكومة، أو الدين، أو أنها تحتوي على إشارات غرائزية جنسية، فيعرّضها للحجب، لأن مزود خدمة الإنترنت ليس معنياً بقابلية موضوعات معينة للجدل، والتباين في الرأي حولها، ولا شأن لها بالنقاش الحر في القضايا الفكرية الخلافية، وآخر ما يريده أن يثير نقمة الحكومة أو التيار المتديّن الذي يعتقد أن لا أحد يملك الحقيقة غيره. معظم الحكومات العربية لا تأبه للقضية من حيث هي، فهي تعتبر الإنترنت عدواً لها. فقد أفسد سلطتها المطلقة على المعلومات والآراء، وبات مفتوحاً وواسعاً ومنفلتاً أكثر من احتمالها، وأن تتولى شركات الاتصال ومراكز الشرطة حجب المدونات، وكبح جماح حركة التدوين العربية، فهذا شأن إيجابي ومريح، ويعني أن الفضاء يخضع لرقابة جيدة ومجانية من جمهور المتصفحين الغيورين على مصلحة الحكومات، والمتأهبين لصد أي مقال يخالف السائد والراكد. ولا يغيب أيضاً أن نقابات الصحافة وجمعياتها وهيئاتها في العالم العربي متورطة في التواطؤ ضد حرية التدوين، وضد حق المدونين في التعامل معهم في إطار الدساتير والقوانين النافذة. لكنّ أسوأ ما في الأمر أن حجب المدونات والمواقع الإلكترونية لا يتطلب حكماً قضائياً، فهو يخضع لمزاج حكومي أو اجتماعي، وبعد الحجب تقيّم السلطات خطورة المنشور على المدونة، فتدع القضاء يمارس مهامه، لجهة تطبيق قوانين الطباعة والنشر بتشدد، الذي قضى في غير دولة عربية إلى حبس مدونين، على خلفية مقالات خاضعة للرد والنقاش، اعتبرت السلطات أنها «تمسّ بهيبة الدول» أو «تسيء للمجتمع وقيمه ومعتقداته»، فاختارت حجب المدونة وحبس صاحبها، عوضاً عن ترك الأمور برمتها للحوار والجدل بين المتصفحين والمدونين. أعرف مدونات محجوبة منذ سنوات في أكثر من بلد عربي، ولا أعرف سبباً لقمعها، سوى أن العرب يضيقون بالرأي الآخر، ويعتبرون أن أي نقاش مهما كان متحفظاً وحذراً في قضايا دينية وثقافية وسياسية انتهاكاً للمقدسات، ولا سبيل لمواجهته سوى بالمصادرة والإلغاء. التقنية تقاوم المنع الآن بانتصارات لا بأس بها، لكن تطورها المتسارع سينزع صلاحية الحجب من يد الشركات والحكومات نهائياً، ويحيل الرقابة وذهنيتها إلى تقاعد طويل.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .