5 دقائق
(قول تم!)
نحن أول أمة على وجه البسيطة اخترعت الشيكات على بياض، ربما كان ذلك قبل الشيكات أو قبل البنوك، بل وقبل اختراع البياض نفسه، فمنذ نعومة اظفارنا نسمع عبارات طلبتك قول تم، والطرف الآخر يجيب قبل أن يسأل عن المصيبة القادمة (تم!)، «أو إلك ولا للذيب وبالطبع يخسى الذيب، ومنذ الطفولة نرى الوعود الزائفة، غلوم انت تحبني، طبعاً، عيل اشترلي بليب»!
هذا الموروث الاجتماعي يحملنا الكثير في ناحية يعاني الجميع منها من دون أن نملك الحلول، فعندما يأتيك عزيز فعلاً تحبه وتقدره وتقول له «تم!» وأنت تعنيها معتقداً أن أقصى ما يمكن أن يطلبه هو أن يطلب إحدى كليتيك، ولكنه يطلب ما هو أصعب من ذلك بكثير «أريدك أن توظف فلاناً عندك!» أو «أريدك أن توظف فلاناً عند أبوك!» أو «أريدك أن تكلم الوالدة من أجل وظيفة لفلان!».. وإذا أخفقت في ذلك، وأعلم أننا جميعاً نخفق دوماً، فإنك تحس بأن سلام العزيز عليك قد تغير، واقتصرت المخاشمة على حبة واحدة بدل الدبل، وأحياناً تكون كاتمة صوت من دون الإمبح!
الكثيرون لا يفهمون ان الدولة أصبحت دولة مؤسسات وليست مبنية على نظام «الصنادق»، هناك هيكل وظيفي والهياكل بها شواغر والشواغر لها متطلبات وظيفية، وأنا حقيقة لا أتحدث عن تجربة شخصية بل عن عشرات القصص التي سمعتها، فعندما يأتيني برعي لكي يعين «جوز خالته» وأنا فعلاً أعز برعي «زي أخويا» ولكن الشاغر لدي هو «رئيس قسم تحرير الأخبار المحلية» لأفاجأ بعد قدوم جوز خالة برعي «بالشيء الفلاني» بأنه «دبلوم صنايع»، من الطبيعي أن أتنصل من وعودي، على الرغم من أن برعي سيأخذني «على جنب» بعد قليل وهو يقول لي بكل جدية: طب والله انت شغله وأنا حخليه يتفرج على الجزيرة لمدة أسبوع!
ليس أجمل من أن تكون سبباً في فتح باب رزق لعزيز أو لصديق عزيز، ولكن ماذا تفعل إن كنت ملزماً بلوائح وشواغر؟ المركب لا يتحمل إلا عشرين شخصاً وفيه فعلياً أربعون، والنوخذة يرفض صعود أي شخص جديد، خصوصاً إذا كان مصاباً بدوار البحر، فما المطلوب مني فعلياً في هذه الحالة؟!
دع عنك أن الأربعين راكباً في السفينة لدى كل منهم زملاؤه وأصدقاؤه وجميعهم يأتي إليه وهو يحمل المطلب ذاته ويبدأ بالمقدمة ذاتها وهو يقول: طلبتك قول تم! وليس هناك ما هو أكثر ألماً من أن تصلك رسالة نصية تقول لك: «إنت طلعت مب ريال»! على الرغم من انك ستحاول مداراة ألمك برسالة تقول: «وابووييه»!
***
ليس لي سوى أن أعتذر لبرعي بالطبع لأنني أخاف أن أذكر قصة سيف وعلي لأنهما مسنودان، ونصيحة لجميع من يتعرض لهذه الإحراجات، إذا جاءك أحدهم وقال لك: قول تم! فأخرج له إحدى كليتيك وألقها في وجهه.. قبل أن يطلب شيئاً آخر!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .