أبواب

لغة واحدة ولكن!

أحمد السلامي

ليس مهماً لدى بعض النقاد أن تكون ممن يحبون قراءة روايات دان براون، فعناوينها التي اشتهرت وذاع صيتها ظلت معنية بجذب القراء الذين يحبون الألغاز والأحجيات والقصص البوليسية.

لكن إذا كنت عربياً من المهم أن تعرف أن رواية براون «شيفرة دافنشي» حققت مبيعات بلغت 82 مليون نسخة على مستوى العالم. بينما بيعت 50 مليون نسخة من رواياته الثلاث «ملائكة وشياطين، قمة الإحباط، الحصن الرقمي»، وعندما صدرت النسخة الإنجليزية من روايته الجديدة «الرمز المفقود» في سبتمبر من العام الماضي، بلغ عدد نسخ الطبعة الأولى أكثر من سبعة ملايين نسخة بيعت في بريطانيا والولايات المتحدة فقط.

وتشترك مؤلفة سلسلة روايات هاري بوتر مع صاحب شيفرة دافنشي في تحطيم الأرقام القياسية في حجم مبيعات الكتب على مستوى العالم، وهذا لا يعني أن الروائيين والكتاب الآخرين في الغرب يقفون خارج حلبة المنافسة، ويكفي أن نعرف أن الروايات التي لا تنافس على الأرقام المليونية يباع منها مئات آلاف النسخ.

أظن أن وزراء الثقافة والناشرين والمؤلفين والأدباء العرب معنيون بتأمل دلالة هذه الأرقام، ولا مجال هنا للمقارنة بين ملايين النسخ من الكتب التي تباع في لندن ونيويورك، مقابل ألفي نسخة تطبع في بيروت أو القاهرة، ولا تنفد من رفوف المكتبات ومخازن الغبار إلا بعد مضي حولين كاملين أو أكثر.

نحن القراء معنيون كذلك بالتأمل ومراجعة كتّاب جغرافيا الوطن العربي، وكنا قد تعلمنا في حصة الجغرافيا على مقاعد الدراسة في الصفوف الأولى، أن اللغة والدين والتاريخ المشترك من مقومات الوحدة العربية.

وبعيداً عن حلم الوحدة الذي انطفأ منذ عقود، ينبغي الاعتراف بأن الوطن الكبير تحول إلى أوطان صغيرة مجزأة، لكننا لانزال نتحدث ونقرأ ونكتب بلغة واحدة لا تعترف بالحدود، فكيف نستفيد من هذه الخصوصية؟

إلى ما قبل سنوات، كان الأدباء في المغرب العربي ينتقدون المركزية الثقافية التي استأثرت بها عواصم في المشرق العربي في زمن لم تعد تحكمه عاصمة الخلافة، وكانت القاهرة وبغداد وبيروت تمثل بالفعل ثلاثة مراكز تتبادل تصدير الخطاب الثقافي وتستقبل الوافدين وتحدد من وقت لآخر المسافة بين الثقافي والسياسي حسب مؤشر الانتصارات والنكسات، واليوم لم يتبق من مركزية العواصم الثلاث سوى الذكرى، إذ انكفأت القاهرة واقتحم المارينز بغداد وتحولت بيروت إلى مكان تهدى إليه قصائد الشيخوخة والحنين.

نعم لدينا لغة واحدة، لكن القطرية السياسية تنضج في منطقتنا بشكل يعادي حتى منطق المصالح المشتركة بين الدول، لذلك يتأجل الاستثمار في الصناعات الثقافية، إلى جانب أن هذا النوع من النشاط لا يزدهر إلا في وجود مساحة من الحرية لا ترتهن لرقابة مزاجية ولا يحدها إلا سقف القانون، وفي وجود مجتمعات متحررة من الفقر والأمية وقادرة على اقتناء واستهلاك السلع الثقافية، ومن ضمنها الكتب والأفلام واسطوانات الموسيقى وتذاكر السينما والمسرح والمتحف وبرامج الحاسوب وغيرها.

نعم لدينا لغة واحدة، ومع ذلك رحل الروائي الجزائري الطاهر وطار ومعظمنا في المشرق العربي لم يقرأ رواياته!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

slamy77@gmail.com

تويتر