أبواب

جيل يحارب نيابةً عن الأسلاف

أحمد السلامي

هذه تقريباً هي خلاصة قصة الحداثة في العالم العربي، وسواء تعلق الأمر بالشعر أو بالحياة، تبدو الأجيال الجديدة في حالة مواجهة مستمرة مع واقع ثقافي واجتماعي يجيد ترحيل الأزمات ويزاوج بين الماضي والمستقبل.

نحن إذن ورثة إجباريون لهزائم وأحلام أسلافنا، وأعني بالأسلاف هنا الأجيال المعاصرة منذ الستينات وحتى الثمانينات، وما لم تحسمه الأجيال السابقة في السياسة والشعر والفن والحياة سيظل يتصدر أجنداتنا، لذلك نحن معنيون مثلهم تماماً بخوض معارك شكلية حول البديهيات على حساب الإبداع والإنجاز.

أتخيل الآن لو أن كاتب سيناريو محترفاً ينجز مسلسلاً عن شعراء جيل التسعينات، ومن المهم أن يتولى إخراج مسلسل كهذا شخص ملمّ بتاريخ الثورات الفاشلة، ليجعلنا نكتشف كم أن ثورة الذين نبتت شواربهم في التسعينات كانت معنية بتكرار مقاومة شعر الماضي البعيد عبر تمثل وإحلال شعر ماضٍ قريب، لكنه «أي شعر الماضي القريب» لايزال بدوره يُحمل الأجيال اللاحقة مشقة حسم الخيار الجديد وتوطينه والاعتراف به والتبشير بجمالياته.

أي أن قصيدة النثر في تجربة التسعينيين ظلت كما في تجارب ثلاثة أجيال سبقتهم في مواجهة مع قصيدتي العمود والتفعيلة، وبذلك تمحور مشروع جيل شعري جديد حول تثبيت مشروعية قصيدة لم تكن وليدة التسعينات، وإلا أين سنذهب بالماغوط وأنسي الحاج وأدونيس وسعادة وبيضون؟

يهمّني وأنا أكتب عن ورطة الجيل الشعري الذي أنتمي له ألا تبدو الكتابة مكرسة لجلد الذات، وأن لا تحرض آخرين على القيام بهذا الدور.

وبالعودة إلى ورطة هذا الجيل الذي لم يتخلّ بشكل صريح عن موضة التجييل القديمة، أرى أن المعضلة ليست في انه واصل الاشتغال على قصيدة لم تولد في زمنه، لأن قصيدة النثر مثل أي محطة شعرية لا يستنفدها جيل واحد، لكنها كانت ستبدو مشروعاً ملهماً لو انها لم تعد بحاجة الى خوض حرب عصابات وملتقيات ومؤتمرات مضادة. ناهيك عن أن منجزها المتراكم حتى الآن في النسخة العربية لم يتجاوز حضور الشكل إلى استحضار مضمون شعري مختلف يجعل المعارك المستقبلية حولها تتجاوز المعارك البدائية التي خاضها روادها الأوائل منذ منتصف القرن الماضي، ولاتزال تكرر نفسها حتى اليوم.

أحدث معركة على هذا المنوال يقودها زميلنا الشاعر المصري إيهاب خليفة إلى جانب آخرين تبنوا ما سموها بـ«حملة الإطاحة بأحمد عبدالمعطي حجازي من رئاسة لجنة الشعر».

قلت لصديقي إيهاب معلقاً على الخطاب المرافق للحملة التي يشنها عبر «فيس بوك»: لماذا لا نحاول إخراج قصيدة النثر من أزمة قائمة لا أحد يود الاعتراف بوجودها؟ تعالوا نشخص الأزمة ونتساءل.. ماذا قدمنا لقصيدة النثر وما الذي قدمته لنا؟ ثم انها كانت مشروعاً مصيرياً لجيل يسبقنا بعقود. فأين مشروعنا نحن، حتى داخل هذه القصيدة ذاتها؟

ماذا قدم الذين سبقونا، وماذا قدمنا نحن؟ وهل سنكتفي بمهمة تكريس شكل القصيدة الجديدة القديمة، ونطمئن إلى كونها أصبحت تنشر في الصحف وتتلى في المنابر التي كانت من قبل حكراً على العمود والتفعيلة؟

وهل سنطمئن أكثر لو أن شاعراً نثرياً في مصر فاز بجائزة حكومية، أو أصبح عضواً في لجنة شعر جديدة لا يترأسها حجازي؟

slamy77@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر