أبواب

رهان جيل التسعينات

أحمد السلامي

عشرون عاماً تكفي لتغيير العالم واكتشاف مجرات وكواكب جديدة، فما الذي تغير في وعي ومنجز شعراء التسعينات العرب بعد مرور عقدين من الزمن؟

بوصفي أنتمي إلى هذا الجيل أظن أننا في أزمة حقيقية ولا أحد يريد الإفصاح عنها.

لقد حاولنا أن نكون حداثيين بمواصفات «سوزان برنار» واشتراطاتها، وفهمنا أن المجانية تعني أن تتحول القصيدة إلى ربة بيت صالحة لا تحشر أنفها في شؤون الآخرين، ويكفي لكي تنجز مهمتها الجمالية أن تتأمل الشعيرات الملتصقة بالمشط، والبخار الذي يتصاعد من كوب القهوة الساخن.

عشرون عاما مضت ونحن نراهن على قصيدة النثر ونحافظ على هدوء نبرتها وإيقاع خطواتها، ونتناسى ان تاريخ الأدب لا يُعنى إلا بالتحولات الجوهرية.

ليس الخلل في شكل قصيدة النثر بل في مستوى الوعي بها، وليست وظيفة الشعر إثارة حماس الجماهير، لكننا تخففنا من أثقال الأيديولوجيا والقضايا الكبرى، وأصبحت التفاصيل الصغيرة ومشاغل الذات أيديولوجيا بديلة تمسخ الشعر وتحوله إلى هذيان شخص مصاب بالحمى، وبتبريراتنا وصمتنا عن الركاكة فتحنا المجال أمام المتطفلين على الشعر.

اختلفنا مع الماضي بعدوانية تحجب الفهم والمعرفة، وعلى أيدينا تحول الصراع بين الأجيال إلى صراعات شخصية.

ومن المعلوم أن جيلنا بدأ يعلن عن نفسه بولادة متعسرة، واجه خلالها رفض الأجيال التي سبقته، ولايزال الحصار المؤسسي مفروضاً حتى الآن على التسعينيين بدرجات متفاوتة تختلف من قطر عربي لآخر، تبعاً لاختلاف المزاج والهيمنة على منابر النشر والثقافة.

في الوقت ذاته أعرض معظم النقاد عن قراءة النص الجديد، وظلوا أوفياء للأسماء والتجارب المكرّسة، كما ظل النقد الأكاديمي في الجامعات يتمحور إلى يومنا حول الشعر الجاهلي والأندلسي، وفي أحسن الأحوال قد يلامس تجارب السياب ونازك الملائكة ومن في مستواهما.

هذا التجاهل أفرز من داخل الجيل من قاموا بلعب دور التبشير الحماسي بفتوحات أقرانهم، ولما ظهرت «الإنترنت» اختلط الحابل بالنابل، وأصبحت المنتديات الافتراضية مكاناً ملائماً لتسويق المحاولات والخواطر الشعرية المتواضعة إلى جوار النصوص الناضجة.

بعيداً عن ساحة الإنترنت المنفلتة، يواصل أدباء هذا الجيل مراكمة نصوص شعرية لكنها بدأت تتشابه وتكرس ثبات شكل القصيدة.

عشرون عاماً مضت وتغير العالم بالفعل، فانهارت أسوار وتفككت ايديولوجيات ودول، وتطورت الاتصالات واهتز العالم في أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، وسقطت أنظمة وعاد الاستعمار إلى الشرق بقرارات أممية تمنح الاحتلال مشروعية!

حدث كل ذلك وأكثر، بينما لايزال شعراء التسعينات يطبعون كتبهم «على نفقة المؤلف»، ويخوضون في سجال قديم حول شعرية قصيدة النثر ونهاية الوزن والقافية.

هل هذا هو الرهان الوحيد لجيل بأكمله؟

slamy77@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى الضغط على اسمه

تويتر