يا جماعة الخير

كيف أصوم.. لو سمحت؟

مصطفى عبدالعال

عجبْتُ في رمضانَ منْ مغنـيةٍ بديعةِ الحسنِ إلاّ أنها ابتدعَــتْ

جاءتْ تُسحرنا ليلاً فقلتُ لـها كيفَ السحورُ وهذي الشمسُ قدْ طلعتْ

بيتان قالهما الشاعر ابن الوردي المتوفى 749هـ، أي في القرن الثامن الهجري، فماذا لو عاد في القرن الخامس عشر؟

سألت نفسي بيني وبينها: ما معنى الصيام وكيف نحتفي برمضان؟ بزخم في فنون الاستعراض من خلال مسلسلات وأفلام تبارى منتجوها على مدى أشهر لنيل الدرجة الأعلى في الاحتفاء برمضان؟ بحالة طوارئ في جميع مجمعات الأغذية والأسواق لمجابهة الهجوم الدوري علي سلع رمضان؟ بتفنن كل الأسر على مستوى العالم الإسلامي في تقديم وجبات مميزة وأنواع حلوى رمضانية لا تصنع إلا في شهر الصيام؟ بصلوات تراويح أتعايش معها ثم أرجع بعد رمضان لترك معظم السنن حتى المؤكدة؟

إنه تعليق ليس بالجديد بل إنه مكرر مستهلك ممل، إنما الجديد أنني لا أتوقف ولو للحظة للتفكر فيه، ماذا سأكف عنه من عادات لا تناسب الصيام؟ وماذا سأضيف من سلوكيات ولا أقول عبادات تناسبه؟ هل ينبغي أن أضع خطة أو جدولاً أخرج به مما اعتدته في حياتي؟ بمعنى هل سأغير فقط مواعيد سلوكياتي في الطعام والشراب ومتابعة الإعلام موجبه وسالبه وأعيد تنظيم الخريطة بتغيير مواعيدها فقط أم ماذا ينبغي أن أفعل؟أ في كل سنة أعتكف كغيري بعض الوقت لقراءة القرآن ولكني بعد رمضان أرجع كما كنت، فأسأل نفسي هل رمضان نقطة تصحيح المسار وقاعدة أتوجه منها إلى طريق مستقيم أم أنه مجرد محطة استراحة أنا مجبر على التوقف عندها بحكم العادات، ثم أتجاوزها لمتابعة مسيرتي بلا تغيير؟ عشرات الأسئلة أحار فيها، وعندي يقين أن الله ما فرضه علينا إلا لأن له قيمة لها آثار تسري في أرواح الصادقين فكيف أتذوقها وأحققها؟ أفهم أن الصوم في المصطلح الديني كف الجوارح بنية العبادة، والإمساك عن بعض المباح لفترة النهار، وضرورة الإمساك عن غير المباح نهاراً وليلاً طوال رمضان، فهل معنى طوال رمضان أنه مسموح لي بعده بالعودة إلى ما كنت عليه، أم أن هذا الشهر فعلاً سيكون مرحلة انتقالية لو نجحت في اغتنامها فستصبح سلوكياتي فيه إلى حد ما طبيعية بعد ذلك؟ وأحظى بالفرحتين اللتين وعد بهما الله في قوله صلى الله عليه وسلم: «كُل عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَف، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْف. قَالَ اللهُ عَز وَجَل: إِلا الصوْمَ فَإِنهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِه، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى، لِلصائِمِ فَرْحَتَان: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِه، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبه».

لست أدري! لماذا كل عام أصوم ثم بعد الصوم تغلبني نفسي مرة أخرى وأين الخلل؟ هل صمت حقيقة أم أني لم أفهم كيف أصوم؟ وهل يتعذر الصوم بالصورة التي تؤتي ثمارها؟ لا أظنه صعباً لأن الله قال: {لاَ يُكَلفُ اللّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا}، وأفهم أن المعنى أن الله مادام كلف فالنفس تسع وتقدر وإلا ما طلب منها ولا كلفها، فمن يدلني كيف أحقق معنى الصوم وجزاه الله عني خيراً؟

mustafa@watani.ae

تويتر