يا جماعة الخير

الخرزة الزرقاء.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

وصل الوالد مطار دبي وانبهر بحضارة المكان وما توقع أن يخرج خلال دقائق فيلقى ولده فيتعانقان بحرارة، والأب يقول: بسم الله ما شاء الله، ليتني لبيت دعوتك منذ زمن وأحضرت امك معي لترى ما أكرمك الله به من النعم وتطمئن أن الله استجاب دعواتنا لك براحة البال. ركب سيارة ولده المكيفة الفارهة وعيناه تنطقان بالشكر لله متمتما بالتحصينات والأذكار النبوية، وبينما هو يتابع الطريق بشغف لفت نظره وجود دلاية معلقة بالمرآة أمام ولده بها سيور وخرزة زرقاء ومجسمات صغيرة لحذاء طفل وقرن شطة وخلافه، لكنه عاود متابعة الطريق وروعة الأبراج ونظام السير والحضارة الرائعة التي سبقت القرن الواحد والعشرين، والتي يفتقدها كثير من عواصم عالمية، ويسمع على هاتف ولده رسائل متتالية فيشرح لوالده: رسالة تخطره أنه مر على «سالك»، وهو نظام إلكتروني يحسب على السيارة مرورها على طريق له رسوم تم خصمها من رصيده، دون وقوف ولا صفوف، ورسالة تفيد بأن راتبه قد نزل في حسابه، وثالثة تفيد بأنه تم تحصيل فاتورة الكهرباء والمياه وأخرى تفيد بتحصيل قسط السكن وأخرى من البنك تفيده بحركة الحساب بعد كل خدمة من هذه الخدمات، والوالد لا يصدق أن هذه الخدمات كلها تمت بينما ولده يسمع مذياع سيارته على الطريق ويقول: يا بني، إنها مشاوير طويلة وإجازات من العمل ومواصلات تأخذ مني أياما لقضاء بعض ما تحدثني عنه، ثم يتمتم مرة أخرى بالتحصينات والحمد. توقفت السيارة حيث فُتح لاسلكيا موقف البناية وقرت السيارة بين خطين بينهما رقم كبير علم الوالد أنه رقم شقة ولده. وخرجا من المصعد فلفتت نظر الوالد مرة اخرى لوحة زرقاء على باب الشقة عليها حدوة فرس تتوسطها عين صفراء وكأن الحدوة تغلق العين عن النظر، ومع فتح الباب تهلل وجه الوالد برؤية أحفاده وفرحة أمهم مرحبة به، وعليهم جميعا أثر النعمة في نضارة وجوههم وحسن هندامهم، وبعد الأحضان جلس الوالد سعيدا بحال ولده ولكن سرعان ما اشتكى ولده وشاركته زوجته من عين الناس وما تعانيه الأسرة من مشكلات لا تتوقف، منها المرض وضيق الحال ولا راحة ولا ولا.. فقاطعهم الوالد: ولهذا ملأتم المكان بخرز أزرق وحدوة حمار وقرن شطة؟ قال الولد هكذا يتحصن كثير من أصحاب المليارات ومن نحن إلى جوارهم؟ قال الوالد: ونسيتم أن وراء النعم منعما وهبها بفضله وهو الذي وعد وتوعد {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِن عَذَابِي لَشَدِيدٌ} والكفر نسيان المنعم، وظننتم حفظها بهذه التمائم كعقيدة الناس في الأصنام قبل نزول الديانات؟ أنسيتم أنه المعطي المانع الضار النافع المعز المذل واعتقدتم في جماد لا ينفع ويضر؟ وأين كلام نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَم اللهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ». رواه احمد (وهي خَرزات كان الأعرابُ يعلقونها على أَولادِهم يَنْفون بها النفْس والعَين، يَعْتَقِدون أَنها تَمامُ الدواء والشفاء)، وإِيّاها أَراد الهُذَلي بقوله:

وإِذا المَنِيةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها

                    أَلْفَيْتَ كل تَمِيمة لا تَنْفَعُ

قم يا بني واخلع هذه الأوثان واستعذ بربك ينزل السكينة والطمأنينة على أهل بيتك.

mustafa@watani.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر