كل جمعة

لا يحدث في بلاد العرب

باسل رفايعة

معظم من يعمل في مهنة الصحافة يتذكر أبرز تحقيق استقصائي في القرن العشرين، حققه الصحافيان الأميركيان بوب وود ورد، وكارل برنستين، لمصلحة صحيفة «واشنطن بوست» وأطاح بالرئيس ريتشارد نيكسون الذي اضطر لتقديم استقالته عام ،1974 بعدما نشرت الصحيفة تفاصيل تجسس الحزب الجمهوري على مكاتب منافسه الحزب الديمقراطي في مبنى «ووتر غيت» الذي حمل اسم الفضيحة السياسية الأكثر شهرة في القرن الماضي، ودخل كتب الصحافة أنموذجاً على الصحافة الاستقصائية المتطورة، التي لانزال نحن العرب نسمع بها، ولا نستطيع تحقيق قصص نجاح كبيرة فيها، بحكم القوانين البدائية الراسخة في الدول العربية.

الأسبوع الماضي شهد تحقيقاً استقصائياً جديداً، نشرته «واشنطن بوست» أيضاً، من إنجاز الصحافية دانا بريست وزميلها ويليام آركين، وتناول موضوعاً محرماً في دول العالم الثالث الذي يتزعمه العرب بجدارة. التحقيق كان بعنوان «أميركا بالغة السرية» وتطرق إلى المبالغة الرسمية في الاهتمام بالأمن والاستخبارات، بعد إرهاب 11 سبتمبر .2001

وفقاً لصحيفة «الشرق الأوسط» فقد كشف التحقيق أن 1271 هيئة حكومية، و1931 شركة خاصة، تعمل في 10 آلاف مكان في الولايات المتحدة في برامج لها صلة بالإرهاب، لكن 854 ألف شخص حصلوا على تصاريح لدخول أماكن سرية، ما يعني أن عبارة «سري جداً» فقدت معناها، كما أن الحكومة شيدت 33 مبنى للاستخبارات والأمن منذ اعتداءات 11 سبتمبر، وهو ما يزيد على مساحة «البنتاغون» ثلاث مرات.

معلومات التحقيق دعت المرشح لمنصب مدير الاستخبارات الأميركية، الجنرال جيمس كلابر، إلى عقد مؤتمر صحافي، أثنى فيه على الصحيفة، وتعهد «بتقليص التناقضات» في عمل الأجهزة الأمنية. لم يقل كلابر، ولا أي مسؤول أميركي آخر، إن ما نشرته الصحيفة «عار عن الصحة» و«يسيء إلى الأمن الوطني»، وإن «الصحيفة صفراء، وتسعى نحو الإثارة»، لكنه أبدى احتراماً مهنياً للتحقيق وللصحيفة، وأكد أنه سيأخذ كل المعلومات والتفاصيل الواردة فيه على محمل الجد، ويستفيد منها، لمصلحة الأمن الوطني الأميركي.

مثل هذا لا يحدث في بلاد العرب، فالنشر محظور أصلاً في ما يتعلق بالأمن، والمسؤول لا يعرف غير صحافة المدائح والإنجازات، والحكومات معصومة دائماً من الخطأ، والأسى يتكاثر مثل النمل.

كما أن المقارنات لا تصحّ بين سرعتي المركبة الفضائية والناقة، وهي غير مجدية كذلك، خصوصاً إذا علمنا أن الصحيفة أمضت عامين في جمع المعلومات، واستقصائها من مصادرها، والتحقق من مصادرها، وخلال ذلك لم تتلق هاتفاً يطلب منها وقف عملها، أو استدعاء صحافيَيْها للتحقيق معهما، فعمل الصحيفة مكفول بالدستور والقوانين، ولا يستطيع أي مسؤول أميركي أن يدعي أنه يقدر مصلحة بلاده أكثر من «واشنطن بوست»، بمن في ذلك الرئيس باراك أوباما، لأن المعيار قانوني أولاً وأخيراً.

نحتاج عقوداً، وربما قروناً أخرى لنصل إلى هذه المرحلة، فالصحافة العربية لا تجرؤ على اختراق أي محظور من قائمة طويلة مدرجة في القوانين العربية، منذ عقود، وتبلغ الصحف بؤساً شديداً، يجعلها تتردد في نشر خبر خجول عن انقطاع الكهرباء.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر