أبواب

أغنية القبيلة والهنود الحمر

أحمد السلامي

لم يحاول المثقفون أن يفهموا القبيلة من داخلها، وما يكتب في هذا السياق ينجز تحت هيمنة وعي إيديولوجي غير متسامح، وغير مستعد لتأمل الظاهرة بهدوء، ولا يكف عن تحميل هذه البنية الاجتماعية وحدها مسؤولية التخلف.

يحتاج تناول مثل هذا الموضوع إلى قدر من النزاهة وتحرير العقل النقدي من الانحياز للتوصيفات الطبقية والشعارات السياسية المعنية بتحديد موقف ايديولوجي أكثر من اعتنائها بالمعرفة.

وتظل الكتابة عن القبيلة من الخارج مهيأة للوقوع في مطب تجهيل الواقع الاجتماعي وتشخيصه بمعزل عن تاريخه وخصوصيات بيئته الجغرافية والروحية، لذلك تبدو صورة القبيلة في بعض الدراسات والتحليلات شبيهة بصورة السكان الأصليين أو الهنود الحمر في السينما الأميركية.

لكن البطل في فيلم «الراقص مع الذئاب» ينحاز إلى جانب قبيلة الهنود الحمر بعد فترة من المعايشة والمثاقفة ومحاولة الفهم، بينما لا نجد مفكراً أو باحثاً عربياً يتخلى عن اجترار الأحكام المسبقة والمقولات الجاهزة حول تخلف القبيلة وجاهزيتها الدائمة لإعاقة مشروعات التحديث الفوقية.

لا نقول إن العشائر العربية قد ذابت في المدن الحضرية وتحولت إلى ألقاب وأسماء في جوازات السفر وبطاقات الهوية، لكنها تستجيب مع مرور الزمن للتحولات الاجتماعية وتسهم تدريجياً في صياغة الواقع، وتلتزم بمنظومة القيم والتشريعات الحديثة، ناهيك عن اندماج أفرادها في التعايش مع نمط الحياة الاستهلاكية المعاصرة بكل مساوئها وإيجابياتها.

ورغم ذلك لايزال الموقف من القبيلة يرتكز على إسقاط مفاهيم نظرية تتنوع مرجعياتها بين اليمين واليسار، وتستبعد محاولة فهم الواقع المحلي من داخله، لتبقى الغاية الوحيدة من إسقاط تلك المفاهيم هي البحث عن ممكنات بناء الدولة الحديثة، من دون التأمل في خطورة النظر باستعلاء إلى القاعدة الاجتماعية المفترضة في هرم الدولة المنشودة.

ما يمكن استنتاجه في هذا السياق هو أن النخب المثقفة لا تود الاعتراف بفشلها في تأسيس حاضنة اجتماعية للدولة الوطنية منذ خروج الاستعمار من المنطقة العربية، ولا تود هذه النخب كذلك أن تعترف بحقيقة سوسيولوجية من البديهيات، مفادها أن البنى التقليدية في أي مجتمع لا تتمكن من الصمود والمحافظة على أنساقها القديمة إلا إذا كانت البدائل الجديدة غائبة أو ضعيفة وغير مؤهلة لتفكيك ما قبلها.

الحاصل أن أغلبية من يتصدون للكتابة عن هذه الجزئية يتشابهون مع ذلك النوع من الجمهور الذي يفضل الاستماع إلى الأغاني التي يحفظها جيداً.

ولا أسوأ من أن تستوطن وعيك أغنية رديئة ومملة، وكلما شعرت بالسأم تجاه كلماتها ارتفع صوتك لتستعيد المقاطع الأكثر سأماً.

هكذا يبدو موقف النخبة من القبيلة، مجرد صدى يتردد منذ الستينات على وقع نغمة واحدة متعالية، تشهر في وجهك منطق الايديولوجيا، وتحرضك بشراسة على الكف عن محاولة فهم واقع ملتبس، رغم أنك جزء منه، وتعايش بشكل يومي كل تناقضاته!

فمن سيوقف هذه الأغنية الرديئة؟

slamy77@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر