يا جماعة الخير

احذر تطفلي.. لو سمحت!

مصطفى عبدالعال

مع قدوم شهر رمضان المعظّم أتأهب لاستغلال الفرصة كعادتي كل عام، فألبس زي الورع، وأتمسح بالمساجد وموزعي الصدقات والكرماء الذين يستحون من رد المتطفلين، وربما أقسم بأغلظ الأيمان أنه لا يدخل لي من ذلك شيء، وألعن من قال: كاد المريب أن يقول خذوني. ودائماً أتهم من يجمع أموال الزكاة والصدقات بالنصب في رسالة مضمونها: إياكم أن تعطوها لغيري، وأزكي نفسي، وأعدد مزاياي، وقاعدة بيانات المحتاجين عندي، وأحياناً أدعم موقفي ببعض الصور لمشروعات الخير لأثبت أني الأمين الخبير بالمصارف الشرعية، ولكن أحد معارفي لمّح تلميحاً خبيثاً فقال: تمر السنوات وبعض المتسولين على حالهم، يهينون أنفسهم، ويسيئون إلى الشريحة أو الوظيفة أو الجنسية التي ابتليت بهم، بينما أهل العفة والذين يعرفون الفقه وخطورة استغلال الصدقات يربأون بأنفسهم أن يتحملوها، فإنها من الأمانة التي عرضها الله: {إِنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب72]. ولفظ الإنسان في القرآن يتعلق ذكره غالباً بضعف النفس وضياعها باتباع الهوى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}، {إِن الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفارٌ}، {وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً }، {وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً }، {وكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}، {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}، {يَا أَيهَا الْإِنسَانُ مَا غَركَ بِرَبكَ الْكَرِيم}، {إِن الْإِنسَانَ لَيَطْغَى}، {إِن الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ويقول: إن المخلصين في جمع الزكاة لا يفرضون أنفسهم على أحد، بل يبحث عنهم الناس لطيب سمعتهم، ولا يقبل أحدهم على نفسه إلا ما شرع الله من حق العاملين عليها لمن أراد، كأجر مقابل وقت الجمع والتوزيع، لا يحدده هو وإنما يُحدد له، حتى لا يترك لنفسه العنان فيحل الزكاة لنفسه، ومع ذلك من استغنى أغناه الله من فضله.

فهذا إمام المتقين صلى الله عليه وسلم يصوم يوماً فتأتيه صدقات كثيرة فيوزعها حتى لم يُبق لبيته منها درهماً.. فتقول له أم المؤمنين عائشة: هلا أبقيت لنا درهماً أو درهمين فليس عندنا ما نفطر عليه؟ فيجيبها: إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مِرةٍ قوي (قادر على العمل) ولا لنا آل البيت، وقبيل الفطور يطرق الباب طارق بهدية هي شاة مشوية بملحقاتها، فيتلقاها صلى الله عليه وسلم بقوله: إنا نرد الصدقة ونقبل الهدية ونثيب عليها، أي نكافئ عليها بالمزيد، ووزع من الشاة، وبعد الصلاة جلس مع أم المؤمنين على الفطور، فقال لها: يا عائش أهذا خير أم الدرهم والدرهمان؟ أي من عف نفسه تكفل الله به وزاده على عفته استغناءً عما عند الناس. وتلك امرأة طاهرة اضطرتها الحاجة لإطعام أيتامها فذهبت لأحد الأغنياء، ولم تزد على قولها: أنا علوية أي من نسل علي كرم الله وجهه، ففهم رسالتها ولكنه تهرب فقال: هاتي البينة؟ أي الدليل وهو يعرفها، فصمتت ثم انصرفت تخفي عنه دموعها، فرأى في الرؤيا ليلتها أنه على باب الجنة أمام قصر بديع وهو يقول: لأي نبي هذا؟ فقيل: إنه لمسلم يحب الله ورسوله، فبادر قائلاً: أنا أحب الله ورسوله، فسمع من يقول: هات البينة؟

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجي النقر على إسمه

تويتر